الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7
وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَسورة الأعراف الآية رقم 181
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ الْخَلْق الَّذِينَ خَلَقْنَا أُمَّة , يَعْنِي جَمَاعَة يَهْدُونَ , يَقُول : يَهْتَدُونَ بِالْحَقِّ { وَبِهِ يَعْدِلُونَ } يَقُول : وَبِالْحَقِّ يَقْضُونَ وَيُنْصِفُونَ النَّاس , كَمَا قَالَ اِبْن جُرَيْج . 11994 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { أُمَّة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } قَالَ اِبْن جُرَيْج : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " هَذِهِ أُمَّتِي " قَالَ : وَبِالْحَقِّ يَأْخُذُونَ وَيُعْطُونَ وَيَقْضُونَ " . 11995 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } 11996 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول إِذَا قَرَأَهَا : " هَذِهِ لَكُمْ , وَقَدْ أُعْطِيَ الْقَوْم بَيْن أَيْدِيكُمْ مِثْلهَا , { وَمِنْ قَوْم مُوسَى أُمَّة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } 7 159
وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَسورة الأعراف الآية رقم 182
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِأَدِلَّتِنَا وَأَعْلَامنَا , فَجَحَدُوهَا وَلَمْ يَتَذَكَّرُوا بِهَا , سَنُمْهِلُهُ بِغِرَّتِهِ وَنُزَيِّن لَهُ سُوء عَمَله , حَتَّى يَحْسَب أَنَّهُ هُوَ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ تَكْذِيبه بِآيَاتِ اللَّه إِلَى نَفْسه مُحْسِن , وَحَتَّى يَبْلُغ الْغَايَة الَّتِي كُتِبَ لَهُ مِنْ الْمَهْل , ثُمَّ يَأْخُذهُ بِأَعْمَالِهِ السَّيِّئَة , فَيُجَازِيه بِهَا مِنْ الْعُقُوبَة مَا قَدْ أُعِدَّ لَهُ. وَذَلِكَ اِسْتِدْرَاج اللَّه إِيَّاهُ . وَأَصْل الِاسْتِدْرَاج اِغْتِرَار الْمُسْتَدْرَج بِلُطْفٍ مِنْ حَيْثُ يَرَى الْمُسْتَدْرَج أَنَّ الْمُسْتَدْرَج إِلَيْهِ مُحْسِن حَتَّى يُوَرِّطهُ مَكْرُوهًا . وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْه فِعْل اللَّه ذَلِكَ بِأَهْلِ الْكُفْر بِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌسورة الأعراف الآية رقم 183
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأُؤَخِّر هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا مِلَاءَة بِالْكَسْرِ وَالضَّمّ وَالْفَتْح مِنْ الدَّهْر , وَهِيَ الْحِين , وَمِنْهُ قِيلَ : اِنْتَظَرْتُك مَلِيًّا , لِيَبْلُغُوا بِمَعْصِيَتِهِمْ رَبّهمْ الْمِقْدَار الَّذِي قَدْ كَتَبَهُ لَهُمْ مِنْ الْعِقَاب وَالْعَذَاب ثُمَّ يَقْبِضهُمْ إِلَيْهِ . { إِنَّ كَيْدِي } وَالْكَيْد : هُوَ الْمَكْر . { وَقَوْله مَتِين } يَعْنِي : قَوِيّ شَدِيد , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : عَدَلْنَ عُدُول النَّاس وَاقْبَح يُبْتَلَى أَفَاس مِنْ الْهُرَّاب شَدَّ مُمَاتِنُ يَعْنِي : سَيْرًا شَدِيدًا بَاقِيًا لَا يَنْقَطِع .
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌسورة الأعراف الآية رقم 184
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوَلَمْ يَتَفَكَّر هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَيَتَدَبَّرُوا بِعُقُولِهِمْ , وَيَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولنَا الَّذِي أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْهِمْ , لَا جِنَّة بِهِ وَلَا خَبَل , وَأَنَّ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ هُوَ الدِّين الصَّحِيح الْقَوِيم وَالْحَقّ الْمُبِين . وَلِذَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِيمَا قَبْل , كَمَا : 11997 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى الصَّفَا , فَدَعَا قُرَيْشًا , فَجَعَلَ يُفَخِّذهُمْ فَخْذًا فَخْذًا : يَا بَنِي فُلَان يَا بَنِي فُلَان ! فَحَذَّرَهُمْ بَأْس اللَّه , وَوَقَائِع اللَّه , فَقَالَ قَائِلهمْ : إِنَّ صَاحِبكُمْ هَذَا لَمَجْنُون بَاتَ يُصَوِّت إِلَى الصَّبَاح , أَوْ حَتَّى أَصْبَحَ . فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّة إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِير مُبِين }

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِير } : مَا هُوَ إِلَّا نَذِير مُنْذِركُمْ عِقَاب اللَّه عَلَى كُفْركُمْ بِهِ إِنْ لَمْ تُنِيبُوا إِلَى الْإِيمَان بِهِ


وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مُبِين } قَدْ أَبَانَ لَكُمْ أَيّهَا النَّاس إِنْذَاره مَا أَنْذَرَكُمْ بِهِ مِنْ بَأْس اللَّه عَلَى كُفْركُمْ بِهِ .
أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَسورة الأعراف الآية رقم 185
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا خَلَقَ اللَّه مِنْ شَيْء وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُون قَدْ اِقْتَرَبَ أَجَلهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوَلَمْ يَنْظُر هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ اللَّه فِي مُلْك اللَّه وَسُلْطَانه فِي السَّمَوَات وَفِي الْأَرْض وَفِيمَا خَلَقَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ شَيْء فِيهِمَا , فَيَتَدَبَّرُوا ذَلِكَ وَيَعْتَبِرُوا بِهِ وَيَعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا نَظِير لَهُ وَلَا شَبِيه , وَمِنْ فِعْل مَنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُون الْعِبَادَة وَالدِّين الْخَالِص إِلَّا لَهُ , فَيُؤْمِنُوا بِهِ وَيُصَدِّقُوا رَسُوله وَيُنِيبُوا إِلَى طَاعَته وَيَخْلَعُوا الْأَنْدَاد وَالْأَوْثَان وَيَحْذَرُوا أَنْ تَكُون آجَالهمْ قَدْ اِقْتَرَبَتْ فَيَهْلَكُوا عَلَى كُفْرهمْ وَيَصِيرُوا إِلَى عَذَاب اللَّه وَأَلِيم عِقَابه.

وَقَوْله : { فَبِأَيِّ حَدِيث بَعْده يُؤْمِنُونَ } يَقُول : فَبِأَيِّ تَخْوِيف وَتَحْذِير وَتَرْهِيب بَعْد تَحْذِير مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْهِيبه الَّذِي أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه فِي آي كِتَابه يُصَدِّقُونَ , إِنْ لَمْ يُصَدِّقُوا بِهَذَا الْكِتَاب الَّذِي جَاءَكُمْ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْد اللَّه تَعَالَى.
مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَسورة الأعراف الآية رقم 186
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرهُمْ فِي طُغْيَانهمْ يَعْمَهُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ إِعْرَاض هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا , التَّارِكِي النَّظَر فِي حُجَج اللَّه وَالْفِكْر فِيهَا , لِإِضْلَالِ اللَّه إِيَّاهُمْ , وَلَوْ هَدَاهُمْ اللَّه لَاعْتَبَرُوا وَتَدَبَّرُوا فَأَبْصَرُوا رُشْدهمْ ; وَلَكِنَّ اللَّه أَضَلَّهُمْ فَلَا يُبْصِرُونَ رُشْدًا وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا , وَمَنْ أَضَلَّهُ عَنْ الرَّشَاد فَلَا هَادِيَ لَهُ . وَلَكِنَّ اللَّه يَدْعُهُمْ فِي تَمَادِيهِمْ فِي كُفْرهمْ وَتَمَرُّدهمْ فِي شِرْكهمْ يَتَرَدَّدُونَ , لِيَسْتَوْجِبُوا الْغَايَة الَّتِي كَتَبَهَا اللَّه لَهُمْ مِنْ عُقُوبَته وَأَلِيم نَكَاله .
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَسورة الأعراف الآية رقم 187
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَسْأَلُونَك عَنْ السَّاعَة أَيَّانَ مَرْسَاهَا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عَنَوْا بِقَوْلِهِ : { يَسْأَلُونَك عَنْ السَّاعَة } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ قَوْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قُرَيْش , وَكَانُوا سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11998 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَتْ قُرَيْش لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ بَيْننَا وَبَيْنك قَرَابَة , فَأَسِرَّ إِلَيْنَا مَتَى السَّاعَة ! فَقَالَ اللَّه : { يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِهِ قَوْم مِنْ الْيَهُود . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11999 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ حَمَلَ بْن أَبِي قُشَيْر وسمول بْن زَيْد لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا مُحَمَّد أَخْبِرْنَا مَتَى السَّاعَة إِنْ كُنْت نَبِيًّا كَمَا تَقُول , فَإِنَّا نَعْلَم مَتَى هِيَ ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { يَسْأَلُونَك عَنْ السَّاعَة ! : أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمهَا عِنْد رَبِّي } إِلَى قَوْله : { وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ } 12000 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ طَارِق بْن شِهَاب , قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزَالُ يَذْكُر مِنْ شَأْن السَّاعَة حَتَّى نَزَلَتْ : { يَسْأَلُونَك عَنْ السَّاعَة أَيَّانَ مَرْسَاهَا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْمَقُول فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ قَوْمًا سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّاعَة , فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة , وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانُوا مِنْ قُرَيْش , وَجَائِز أَنْ يَكُونُوا كَانُوا مِنْ الْيَهُود ; وَلَا خَبَر بِذَلِكَ عِنْدنَا يُجَوِّز قَطْع الْقَوْل عَلَى أَيّ ذَلِكَ كَانَ . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذَنْ : يَسْأَلك الْقَوْم الَّذِينَ يَسْأَلُونَك عَنْ السَّاعَة أَيَّانَ مُرْسَاهَا , يَقُول : مَتَى قِيَامهَا . وَمَعْنَى " أَيَّانَ " : " مَتَى " فِي كَلَام الْعَرَب , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : أَيَّانَ تَقْضِي حَاجَتِي أَيَّانَا أَمَا تَرَى لِنُجْحِهَا إبَّانَا وَمَعْنَى قَوْله : { مُرْسَاهَا } : قِيَامهَا , مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَرْسَاهَا اللَّه فَهِيَ مُرْسَاة , وَأَرْسَاهَا الْقَوْم : إِذَا حَبَسُوهَا , وَرَسَتْ هِيَ تَرْسُو رُسُوًّا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12001 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَسْأَلُونَك عَنْ السَّاعَة أَيَّانَ مُرْسَاهَا } : يَقُول مَتَى قِيَامهَا . 12002 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { يَسْأَلُونَك عَنْ السَّاعَة أَيَّانَ مُرْسَاهَا } : مَتَى قِيَامهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : مُنْتَهَاهَا. وَذَلِكَ قَرِيب الْمَعْنَى مِنْ مَعْنَى مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : قِيَامهَا , لِأَنَّ اِنْتِهَاءَهَا : بُلُوغهَا وَقْتهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَصْل ذَلِكَ الْحَبْس وَالْوُقُوف. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12003 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَسْأَلُونَك عَنْ السَّاعَة أَيَّانَ مُرْسَاهَا } يَعْنِي : مُنْتَهَاهَا.

وَأَمَّا قَوْله : { قُلْ إِنَّمَا عِلْمهَا عِنْد رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ } فَإِنَّهُ أَمْر مِنْ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُجِيب سَائِلِيهِ عَنْ السَّاعَة بِأَنَّهُ لَا يَعْلَم وَقْت قِيَامهَا إِلَّا اللَّه الَّذِي يَعْلَم الْغَيْب , وَأَنَّهُ لَا يُظْهِرهَا لِوَقْتِهَا وَلَا يَعْلَمهَا غَيْره جَلَّ ذِكْره . كَمَا : 12004 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { قُلْ إِنَّمَا عِلْمهَا عِنْد رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ } يَقُول : عِلْمهَا عِنْد اللَّه , هُوَ يُجْلِيهَا لِوَقْتِهَا , لَا يَعْلَم ذَلِكَ إِلَّا اللَّه . 12005 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَا يُجَلِّيهَا } : يَأْتِي بِهَا . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { لَا يُجَلِّيهَا } لَا يَأْتِي بِهَا { إِلَّا هُوَ } 12006 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ } يَقُول : لَا يُرْسِلهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : ثَقُلَتْ السَّاعَة عَلَى أَهْل السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَنْ يَعْرِفُوا وَقْتهَا وَمَجِيئَهَا لِخَفَائِهَا عَنْهُمْ وَاسْتِئْثَار اللَّه بِعِلْمِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12007 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض } يَقُول : خَفِيَتْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض , فَلَمْ يَعْلَم قِيَامهَا مَتَى تَقُوم مَلَك مُقَرَّب وَلَا نَبِيّ مُرْسَل . 12008 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق جَمِيعًا , عَنْ مَعْمَر , عَنْ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل : { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض } قَالَ : ثَقُلَ عِلْمهَا عَلَى أَهْل السَّمَاوَات وَأَهْل الْأَرْض أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهَا كَبُرَتْ عِنْد مَجِيئِهَا عَلَى أَهْل السَّمَاوَات وَالْأَرْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12009 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق جَمِيعًا , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : قَالَ الْحَسَن , فِي قَوْله : { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض } يَعْنِي : إِذَا جَاءَتْ ثَقُلَتْ عَلَى أَهْل السَّمَاء وَأَهْل الْأَرْض . يَقُول : كَبُرَتْ عَلَيْهِمْ . 12010 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض } قَالَ : إِذَا جَاءَتْ اِنْشَقَّتْ السَّمَاء , وَانْتَثَرَتْ النُّجُوم , وَكُوِّرَتْ الشَّمْس , وَسُيِّرَتْ الْجِبَال , وَكَانَ مَا قَالَ اللَّه ; فَذَلِكَ ثِقَلهَا . 12011 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : قَالَ بَعْض النَّاس فِي " ثَقُلَتْ " : عَظُمَتْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض } : عَلَى السَّمَاوَات وَالْأَرْض. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12012 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض } : أَيْ عَلَى السَّمَاوَات وَالْأَرْض . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : ثَقُلَتْ السَّاعَة فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض عَلَى أَهْلهَا أَنْ يَعْرِفُوا وَقْتهَا وَقِيَامهَا ; لِأَنَّ اللَّه أَخْفَى ذَلِكَ عَنْ خَلْقه , فَلَمْ يُطْلِع عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَحَدًا. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه أَخْبَرَ بِذَلِكَ بَعْد قَوْله : { قُلْ إِنَّمَا عِلْمهَا عِنْد رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ } وَأَخْبَرَ بَعْده أَنَّهَا لَا تَأْتِي إِلَّا بَغْتَة , فَالَّذِي هُوَ أَوْلَى أَنْ يَكُون مَا بَيْن ذَلِكَ أَيْضًا خَبَرًا عَنْ خَفَاء عِلْمهَا عَنْ الْخَلْق , إِذْ كَانَ مَا قَبْله وَمَا بَعْده كَذَلِكَ .

وَأَمَّا قَوْله : { لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَة } فَإِنَّهُ يَقُول : لَا تَجِيء السَّاعَة إِلَّا فَجْأَة , لَا تَشْعُرُونَ بِمَجِيئِهَا . كَمَا : 12013 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَة } يَقُول : يَبْغَتهُمْ قِيَامهَا , تَأْتِيهِمْ عَلَى غَفْلَة . 12014 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَة } قَضَى اللَّه أَنَّهَا لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَة . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " إِنَّ السَّاعَة تَهِيج بِالنَّاسِ وَالرَّجُل يُصْلِح حَوْضه وَالرَّجُل يَسْقِي مَاشِيَته وَالرَّجُل يُقِيم سِلْعَته فِي السُّوق وَالرَّجُل يَخْفِض مِيزَانه وَيَرْفَعهُ ".

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَسْأَلك هَؤُلَاءِ الْقَوْم عَنْ السَّاعَة , كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا . فَقَالَ بَعْضهمْ : يَسْأَلُونَك عَنْهَا كَأَنَّك حَفِيّ بِهِمْ . وَقَالُوا : مَعْنَى قَوْله : " عَنْهَا " التَّقْدِيم وَإِنْ كَانَ مُؤَخَّرًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12015 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا } يَقُول : كَأَنَّ بَيْنك وَبَيْنهمْ مَوَدَّة , كَأَنَّك صَدِيق لَهُمْ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا سَأَلَ النَّاس مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّاعَة سَأَلُوهُ سُؤَال قَوْم كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ مُحَمَّدًا حَفِيّ بِهِمْ , فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : إِنَّمَا عِلْمهَا عِنْده , اِسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهَا , فَلَمْ يُطْلِع عَلَيْهَا مَلَكًا وَلَا رَسُولًا . 12016 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : قَالَ قَتَادَة : قَالَتْ قُرَيْش لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ بَيْننَا وَبَيْنك قَرَابَة , فَأَسِرَّ إِلَيْنَا مَتَى السَّاعَة ! فَقَالَ اللَّه : { يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا } * حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا } : أَيْ حَفِيّ بِهِمْ . قَالَ : قَالَتْ قُرَيْش : يَا مُحَمَّد أَسِرَّ إِلَيْنَا عِلْم السَّاعَة لِمَا بَيْننَا وَبَيْنك مِنْ الْقَرَابَة ! لِقَرَابَتِنَا مِنْك. 12017 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر وَهَانِئ بْن سَعِيد , عَنْ حَجَّاج , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : { يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا } قَالَ : حَفِيّ بِهِمْ حِين يَسْأَلُونَك . 12018 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا } قَالَ : قَرَّبْت مِنْهُمْ , وَتَحْفَى عَلَيْهِمْ . قَالَ : وَقَالَ أَبُو مَالِك : كَأَنَّك حَفِيّ بِهِمْ , قَالَ : قَرِيب مِنْهُمْ , وَتَحْفَى عَلَيْهِمْ. قَالَ : وَقَالَ أَبُو مَالِك : كَأَنَّك حَفِيّ بِهِمْ فَتُحَدِّثهُمْ . 12019 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا } كَأَنَّك صَدِيق لَهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : كَأَنَّك قَدْ اِسْتَحْفَيْت الْمَسْأَلَة عَنْهَا فَعَلِمْتهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12020 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا } اِسْتَحْفَيْت عَنْهَا السُّؤَال حَتَّى عَلِمْتهَا . * حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا } قَالَ : اِسْتَحْفَيْت عَنْهَا السُّؤَال حَتَّى عَلِمْت وَقْتهَا. 12021 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا } قَالَ : كَأَنَّك عَالِم بِهَا . * قَالَ : ثنا حَامِد بْن نُوح , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك : { يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا } قَالَ : كَأَنَّك تَعْلَمهَا . * حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثني عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك , قَوْله : { يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا } يَقُول : يَسْأَلُونَك عَنْ السَّاعَة , كَأَنَّ عِنْدك عِلْمًا مِنْهَا . { قُلْ إِنَّمَا عِلْمهَا عِنْد رَبِّي } 12022 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ بَعْضهمْ : { كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا } : كَأَنَّك عَالِم بِهَا . 12023 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا } قَالَ : كَأَنَّك عَالِم بِهَا. وَقَالَ : أَخْفَى عِلْمهَا عَلَى خَلْقه . وَقَرَأَ : { إِنَّ اللَّه عِنْده عِلْم السَّاعَة } 31 34 حَتَّى خَتَمَ السُّورَة. 12024 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا } يَقُول : كَأَنَّك يُعْجِبك سُؤَالهمْ إِيَّاكَ . { قُلْ إِنَّمَا عِلْمهَا عِنْد اللَّه } وَقَوْله : { كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا } يَقُول : لَطِيف بِهَا . فَوَجَّهَ هَؤُلَاءِ تَأْوِيل قَوْله : { كَأَنَّك حَفِيّ عَنْهَا } إِلَى حَفِيّ بِهَا , وَقَالُوا : تَقُول الْعَرَب : تَحَفَّيْت لَهُ فِي الْمَسْأَلَة , وَتَحَفَّيْت عَنْهُ . قَالُوا : وَلِذَلِكَ قِيلَ : أَتَيْنَا فُلَانًا نَسْأَل بِهِ , بِمَعْنَى نَسْأَل عَنْهُ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : كَأَنَّك حَفِيّ بِالْمَسْأَلَة عَنْهَا فَتَعْلَمهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { حَفِيّ عَنْهَا } وَلَمْ يَقُلْ حَفِيّ بِهَا , إِنْ كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيل الْكَلَام ؟ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ قِيلَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ الْحَفَاوَة إِنَّمَا تَكُون فِي الْمَسْأَلَة , وَهِيَ الْبَشَاشَة لِلْمَسْئُولِ عِنْد الْمَسْأَلَة , وَالْإِكْثَار مِنْ السُّؤَال عَنْهُ , وَالسُّؤَال يُوصَل بِ " عَنْ " مَرَّة وَبِالْبَاءِ مَرَّة , فَيُقَال : سَأَلْت عَنْهُ , وَسَأَلْت بِهِ ; فَلَمَّا وُضِعَ قَوْله " حَفِيّ " مَوْضِع السُّؤَال , وُصِلَ بِأَغْلَبِ الْحَرْفَيْنِ اللَّذَيْنِ يُوصَل بِهِمَا السُّؤَال , وَهُوَ " عَنْ " , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : سُؤَال حَفِيّ عَنْ أَخِيهِ كَأَنَّهُ يُذَكِّرهُ وَسْنَان أَوْ مُتَوَاسِن

وَأَمَّا قَوْله : { قُلْ إِنَّمَا عِلْمهَا عِنْد اللَّه } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِسَائِلِيك عَنْ وَقْت السَّاعَة وَحِين مَجِيئِهَا : لَا عِلْم لِي بِذَلِكَ , وَلَا يَعْلَم بِهِ إِلَّا اللَّه الَّذِي يَعْلَم غَيْب السَّمَاوَات وَالْأَرْض.

{ وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول : وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه , بَلْ يَحْسَبُونَ أَنَّ عِلْم ذَلِكَ يُوجَد عِنْد بَعْض خَلْقه.
قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَسورة الأعراف الآية رقم 188
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لَا أَمْلِك لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه وَلَوْ كُنْت أَعْلَم الْغَيْب لَاسْتَكْثَرْت مِنْ الْخَيْر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِسَائِلِيك عَنْ السَّاعَة أَيَّانَ مُرْسَاهَا : { لَا أَمْلِك لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا } يَقُول : لَا أَقْدِر عَلَى اِجْتِلَاب نَفْع إِلَى نَفْسِي , وَلَا دَفْع ضُرّ يَحِلّ بِهَا عَنْهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه أَنْ أَمْلِكهُ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَوِّيَنِي عَلَيْهِ وَيُعِينَنِي. { وَلَوْ كُنْت أَعْلَم الْغَيْب } يَقُول : لَوْ كُنْت أَعْلَم مَا هُوَ كَائِن مِمَّا لَمْ يَكُنْ بَعْد { لَاسْتَكْثَرْت مِنْ الْخَيْر } يَقُول : لَأَعْدَدْت الْكَثِير مِنْ الْخَيْر . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْخَيْر الَّذِي عَنَاهُ اللَّه بِقَوْلِهِ : { لَاسْتَكْثَرْت مِنْ الْخَيْر } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَاسْتَكْثَرْت مِنْ الْعَمَل الصَّالِح. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12025 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَوْله : { قُلْ لَا أَمْلِك لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا } قَالَ : الْهُدَى وَالضَّلَالَة . { لَوْ كُنْت أَعْلَم الْغَيْب لَاسْتَكْثَرْت مِنْ الْخَيْر } قَالَ : أَعْلَم الْغَيْب مَتَى أَمُوت لَاسْتَكْثَرْت مِنْ الْعَمَل الصَّالِح . 12026 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 12027 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَوْ كُنْت أَعْلَم الْغَيْب لَاسْتَكْثَرْت مِنْ الْخَيْر وَمَا مَسَّنِيَ السُّوء } : قَالَ : لَاجْتَنَبْت مَا يَكُون مِنْ الشَّرّ وَاتَّقَيْته . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَوْ كُنْت أَعْلَم الْغَيْب لَأَعْدَدْت لِلسَّنَةِ الْمُجْدِبَة مِنْ الْمُخْصِبَة , وَلَعَرَفْت الْغَلَاء مِنْ الرُّخْص , وَاسْتَعْدَدْت لَهُ فِي الرُّخْص .

وَقَوْله : { وَمَا مَسَّنِيَ السُّوء } يَقُول : وَمَا مَسَّنِيَ الضُّرّ .

{ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِير وَبَشِير } يَقُول : مَا أَنَا إِلَّا رَسُول اللَّه أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ , أُنْذِر عِقَابه مَنْ عَصَاهُ مِنْكُمْ وَخَالَفَ أَمْره , وَأُبَشِّر بِثَوَابِهِ وَكَرَامَته مَنْ آمَنَ بِهِ وَأَطَاعَهُ مِنْكُمْ .

وَقَوْله : { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يَقُول : يُصَدِّقُونَ بِأَنِّي لِلَّهِ رَسُول , وَيُقِرُّونَ بِحَقِّيَة مَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْده .
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَسورة الأعراف الآية رقم 189
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة } يَعْنِي بِالنَّفْسِ الْوَاحِدَة : آدَم ; كَمَا : 12028 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد : { خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة } قَالَ : آدَم عَلَيْهِ السَّلَام . 12029 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة } مِنْ آدَم .

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجهَا } : وَجَعَلَ مِنْ النَّفْس الْوَاحِدَة , وَهُوَ آدَم , زَوْجهَا حَوَّاء ; كَمَا : 12030 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة . { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجهَا } : حَوَّاء , فَجُعِلَتْ مِنْ ضِلَع مِنْ أَضْلَاعه لِيَسْكُن إِلَيْهَا.


وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لِيَسْكُن إِلَيْهَا } : لِيَأْوِيَ إِلَيْهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَة وَلَذَّته . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } فَلَمَّا تَدَثَّرَهَا لِقَضَاءِ حَاجَته مِنْهَا فَقَضَى حَاجَته مِنْهَا , { حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا } وَفِي الْكَلَام مَحْذُوف تُرِكَ ذِكْره اِسْتِغْنَاء بِمَا ظَهَرَ عَمَّا حُذِفَ , وَذَلِكَ قَوْله : { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ } وَإِنَّمَا الْكَلَام : فَلَمَّا تَغَشَّاهَا فَقَضَى حَاجَته مِنْهَا حَمَلَتْ . وَقَوْله : { حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا } يَعْنِي بِخِفَّةِ الْحَمْل : الْمَاء الَّذِي حَمَلَتْهُ حَوَّاء فِي رَحِمهَا مِنْ آدَم أَنَّهُ كَانَ حَمْلًا خَفِيفًا , وَكَذَلِكَ هُوَ حَمْل الْمَرْأَة مَاء الرَّجُل خَفِيف عَلَيْهَا . وَأَمَّا قَوْله : { فَمَرَّتْ بِهِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : اِسْتَمَرَّتْ بِالْمَاءِ : قَامَتْ بِهِ وَقَعَدَتْ , وَأَتَمَّتْ الْحَمْل . كَمَا : 12031 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ أَبِي عُمَيْر , عَنْ أَيُّوب , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن عَنْ قَوْله : { حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ } قَالَ : لَوْ كُنْت امْرَأً عَرَبِيًّا لَعَرَفْت مَا هِيَ , إِنَّمَا هِيَ : فَاسْتَمَرَّتْ بِهِ . 12032 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ } اِسْتَبَانَ حَمْلهَا. 12033 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَرَّتْ بِهِ } قَالَ : اِسْتَمَرَّ حَمْلهَا . 12034 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا } قَالَ : هِيَ النُّطْفَة . وَقَوْله { فَمَرَّتْ بِهِ } يَقُول : اِسْتَمَرَّتْ بِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَشَكَّتْ فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12035 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { فَمَرَّتْ بِهِ } قَالَ : فَشَكَّتْ أَحَمَلَتْ أَمْ لَا .

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَلَمَّا أَثْقَلَتْ } فَلَمَّا صَارَ مَا فِي بَطْنهَا مِنْ الْحَمْل الَّذِي كَانَ خَفِيفًا ثَقِيلًا وَدَنَتْ وِلَادَتهَا , يُقَال مِنْهُ : أَثْقَلَتْ فُلَانَة إِذَا صَارَتْ ذَات ثِقَل بِحَمْلِهَا كَمَا يُقَال : أَتْمَر فُلَان : إِذَا صَارَ ذَا تَمْر . كَمَا : 12036 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَلَمَّا أَثْقَلَتْ } : كَبُرَ الْوَلَد فِي بَطْنهَا .

قَالَ أَبُو جَعْفَر : { دَعَوَا اللَّه رَبّهمَا } يَقُول : نَادَى آدَم وَحَوَّاء رَبّهمَا وَقَالَا : يَا رَبّنَا لَئِنْ آتَيْتنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الصَّلَاح الَّذِي أَقْسَمَ آدَم وَحَوَّاء عَلَيْهِمَا السَّلَام أَنَّهُ إِنْ آتَاهُمَا صَالِحًا فِي حَمْل حَوَّاء لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ . فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ هُوَ أَنْ يَكُون الْحَمْل غُلَامًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12037 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : قَالَ الْحَسَن , فِي قَوْله : { لَئِنْ آتَيْتنَا صَالِحًا } قَالَ : غُلَامًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ أَنْ يَكُون الْمَوْلُود بَشَرًا سَوِيًّا مِثْلهمَا , وَلَا يَكُون بَهِيمَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12038 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ زَيْد بْن جُبَيْر الْحَسْمِيّ , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , فِي قَوْله : { لَئِنْ آتَيْتنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ } قَالَ : أَشْفَقَا أَنْ يَكُون شَيْئًا دُون الْإِنْسَان . * قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ زَيْد بْن جُبَيْر , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , قَالَ : أَشْفَقَا أَنْ لَا يَكُون إِنْسَانًا . 12039 - قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : لَمَّا حَمَلَتْ اِمْرَأَة آدَم فَأَثْقَلَتْ , كَانَا يُشْفِقَانِ أَنْ يَكُون بَهِيمَة , { فَدَعَوَا رَبّهمَا لَئِنْ آتَيْنَا صَالِحًا } الْآيَة . 12040 - قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أَشْفَقَا أَنْ يَكُون بَهِيمَة . 12041 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَمَّا هَبَطَ آدَم وَحَوَّاء , أُلْقِيَتْ الشَّهْوَة فِي نَفْسه فَأَصَابَهَا , فَلَيْسَ إِلَّا أَنْ أَصَابَهَا حَمَلَتْ , فَلَيْسَ إِلَّا أَنْ حَمَلَتْ تَحَرَّكَ فِي بَطْنهَا وَلَدهَا , قَالَتْ : مَا هَذَا ؟ فَجَاءَهَا إِبْلِيس , فَقَالَ : أَتَرَيْنَ فِي الْأَرْض إِلَّا نَاقَة أَوْ بَقَرَة أَوْ ضَائِنَة أَوْ مَاعِزَة ؟ هُوَ بَعْض ذَلِكَ . قَالَتْ : وَاَللَّه مَا مِنِّي شَيْء إِلَّا وَهُوَ يَضِيق عَنْ ذَلِكَ. قَالَ : فَأَطِيعِينِي وَسَمِّيهِ عَبْد الْحَارِث تَلِدِي شِبْهكُمَا مِثْلكُمَا ! قَالَ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِآدَم عَلَيْهِ السَّلَام , فَقَالَ : هُوَ صَاحِبنَا الَّذِي قَدْ أَخْرَجَنَا مِنْ الْجَنَّة. فَمَاتَ , ثُمَّ حَمَلَتْ بِآخَر , فَجَاءَهَا فَقَالَ : أَطِيعِينِي وَسَمِّيهِ عَبْد الْحَارِث - وَكَانَ اِسْمه فِي الْمَلَائِكَة الْحَارِث - وَإِلَّا وَلَدْت نَاقَة أَوْ بَقَرَة أَوْ ضَائِنَة أَوْ مَاعِزَة , أَوْ قَتَلْته , فَإِنِّي أَنَا قَتَلْت الْأَوَّل ! قَالَ : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِآدَم , فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكْرَههُ , فَسَمَّتْهُ عَبْد الْحَارِث , فَذَلِكَ قَوْله : { لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا } يَقُول : شِبْهنَا مِثْلنَا , { فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا } قَالَ : شِبْههمَا مِثْلهمَا . 12042 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَلَمَّا أَثْقَلَتْ } كَبُرَ الْوَلَد فِي بَطْنهَا جَاءَهَا إِبْلِيس , فَخَوَّفَهَا وَقَالَ لَهَا : مَا يُدْرِيك مَا فِي بَطْنك , لَعَلَّهُ كَلْب أَوْ خِنْزِير أَوْ حِمَار ؟ وَمَا يُدْرِيك مِنْ أَيْنَ يَخْرُج ؟ أَمِنْ دُبْرك فَيَقْتُلك , أَوْ مِنْ قُبُلك , أَوْ يَنْشَقّ بَطْنك فَيَقْتُلك ؟ فَذَلِكَ حِين { دَعَوَا اللَّه رَبّهمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا } يَقُول : مِثْلنَا , { لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ عَنْ آدَم وَحَوَّاء أَنَّهُمَا دَعَوَا اللَّه رَبّهمَا بِحَمْلِ حَوَّاء , وَأَقْسَمَا لَئِنْ أَعْطَاهُمَا فِي بَطْن حَوَّاء صَالِحًا لَيَكُونَانِ لِلَّهِ مِنْ الشَّاكِرِينَ . وَالصَّلَاح قَدْ يَشْمَل مَعَانِيَ كَثِيرَة . مِنْهَا الصَّلَاح فِي اِسْتِوَاء الْخَلْق . وَمِنْهَا الصَّلَاح فِي الدِّين , وَالصَّلَاح فِي الْعَقْل وَالتَّدْبِير . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَلَا خَبَر عَنْ الرَّسُول يُوجِب الْحُجَّة بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى بَعْض مَعَانِي الصَّلَاح دُون بَعْض , وَلَا فِيهِ مِنْ الْعَقْل دَلِيل وَجَبَ أَنْ يَعُمّ كَمَا عَمَّهُ اللَّه , فَيُقَال إِنَّهُمَا قَالَا لَئِنْ آتَيْتنَا صَالِحًا بِجَمِيعِ مَعَانِي الصَّلَاح .

وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ } فَإِنَّهُ لَنَكُونَنَّ مِمَّنْ يَشْكُرك عَلَى مَا وَهَبْت لَهُ مِنْ الْوَلَد صَالِحًا .
فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَسورة الأعراف الآية رقم 190
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا رَزَقَهُمَا اللَّه وَلَدًا صَالِحًا كَمَا سَأَلَا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا وَرَزَقَهُمَا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الشُّرَكَاء الَّتِي جَعَلَاهَا فِيمَا أُوتِيَا مِنْ الْمَوْلُود , فَقَالَ بَعْضهمْ : جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِي الِاسْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12043 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ ثنا عُمَر بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , عَنْ سَمُرَة بْن جُنْدُب , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " كَانَتْ حَوَّاء لَا يَعِيش لَهَا وَلَد , فَنَذَرَتْ لَئِنْ عَاشَ لَهَا وَلَد لَتُسَمِّيَنَّهُ عَبْد الْحَارِث , فَعَاشَ لَهَا وَلَد , فَسَمَّتْهُ عَبْد الْحَارِث , وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْي الشَّيْطَان " . 12044 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : ثنا أَبُو الْعَلَاء , عَنْ سَمُرَة بْن جُنْدُب : أَنَّهُ حُدِّثَ أَنَّ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام سَمَّى اِبْنه عَبْد الْحَارِث . * قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي الْعَلَاء بْن الشِّخِّير , عَنْ سَمُرَة بْن جُنْدُب , قَالَ : سَمَّى آدَم اِبْنه : عَبْد الْحَارِث . 12045 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ دَاوُد بْن الْحُصَّيْنِ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَتْ حَوَّاء تَلِد لِآدَم , فَتُعَبِّدهُمْ لِلَّهِ , وَتُسَمِّيه عَبْد اللَّه وَعُبَيْد اللَّه وَنَحْو ذَلِكَ , فَيُصِيبهُمْ الْمَوْت , فَأَتَاهَا إِبْلِيس وَآدَم , فَقَالَ : إِنَّكُمَا لَوْ تُسَمِّيَانِهِ بِغَيْرِ الَّذِي تُسَمِّيَانِهِ لَعَاشَ ! فَوَلَدَتْ لَهُ رَجُلًا , فَسَمَّاهُ عَبْد الْحَارِث , فَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة } إِلَى قَوْله : { جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا } إِلَى آخِر الْآيَة . 12046 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله فِي آدَم : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة } إِلَى قَوْله : { فَمَرَّتْ بِهِ } فَشَكَّتْ أَحَبَلَتْ أَمْ لَا ؟ { فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّه رَبّهمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا } الْآيَة , فَأَتَاهُمَا الشَّيْطَان فَقَالَ : هَلْ تَدْرِيَانِ مَا يُولَد لَكُمَا - أَمْ هَلْ تَدْرِيَانِ مَا يَكُون - أَبَهِيمَة تَكُون أَمْ لَا ؟ وَزَيَّنَ لَهُمَا الْبَاطِل إِنَّهُ غَوِيّ مُبِين . وَقَدْ كَانَتْ قَبْل ذَلِكَ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فَمَاتَا , فَقَالَ لَهُمَا الشَّيْطَان : إِنَّكُمَا إِنْ لَمْ تُسَمِّيَاهُ بِي لَمْ يَخْرُج سَوِيًّا وَمَاتَ كَمَا مَاتَ الْأَوَّلَانِ ! فَسَمَّيَا وَلَدهمَا عَبْد الْحَارِث ; فَذَلِكَ قَوْله : { فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا } الْآيَة . 12047 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا وُلِدَ لَهُ أَوَّل وَلَد , أَتَاهُ إِبْلِيس فَقَالَ : إِنِّي سَأَنْصَحُ لَك فِي شَأْن وَلَدك هَذَا تُسَمِّيه عَبْد الْحَارِث ! فَقَالَ آدَم : أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ طَاعَتك ! قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَكَانَ اِسْمه فِي السَّمَاء الْحَارِث . قَالَ آدَم : أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ طَاعَتك ! إِنِّي أَطَعْتُك فِي أَكْل الشَّجَرَة , فَأَخْرَجْتنِي مِنْ الْجَنَّة , فَلَنْ أُطِيعك . فَمَاتَ وَلَده , ثُمَّ وُلِدَ لَهُ بَعْد ذَلِكَ وَلَد آخَر , فَقَالَ : أَطِعْنِي وَإِلَّا مَاتَ كَمَا مَاتَ الْأَوَّل ! فَعَصَاهُ , فَمَاتَ , فَقَالَ : لَا أَزَالُ أَقْتُلهُمْ حَتَّى تُسَمِّيه عَبْد الْحَارِث . فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى سَمَّاهُ عَبْد الْحَارِث , فَذَلِكَ قَوْله : { جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا } : أَشْرَكَهُ فِي طَاعَته فِي غَيْر عِبَادَة , وَلَمْ يُشْرِك بِاَللَّهِ , وَلَكِنْ أَطَاعَهُ . 12048 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا الزُّبَيْر بْن الْخِرِّيت , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : مَا أَشْرَكَ آدَم وَلَا حَوَّاء , وَكَانَ لَا يَعِيش لَهُمَا وَلَد , فَأَتَاهُمَا الشَّيْطَان فَقَالَ : إِنْ سَرَّكُمَا أَنْ يَعِيش لَكُمَا وَلَد فَسَمِّيَاهُ عَبْد الْحَارِث ! فَهُوَ قَوْله : { جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا } 12049 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا } قَالَ : كَانَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام لَا يُولَد لَهُ وَلَد إِلَّا مَاتَ , فَجَاءَهُ الشَّيْطَان , فَقَالَ : إِنْ سَرَّك أَنْ يَعِيش وَلَدك هَذَا , فَسَمِّهِ عَبْد الْحَارِث ! فَفَعَلَ , قَالَ : فَأَشْرَكَا فِي الِاسْم وَلَمْ يُشْرِكَا فِي الْعِبَادَة . * حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا } ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ لَا يَعِيش لَهُمَا وَلَد , فَأَتَاهُمَا الشَّيْطَان , فَقَالَ لَهُمَا : سَمِّيَاهُ عَبْد الْحَارِث ! وَكَانَ مِنْ وَحْي الشَّيْطَان وَأَمْره , وَكَانَ شِرْكًا فِي طَاعَته , وَلَمْ يَكُنْ شِرْكًا فِي عِبَادَته. 12050 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّه عَمَّا يُشْرِكُونَ } قَالَ : كَانَ لَا يَعِيش لِآدَم وَامْرَأَته وَلَد , فَقَالَ لَهُمَا الشَّيْطَان : إِذَا وُلِدَ لَكُمَا وَلَد , فَسَمِّيَاهُ عَبْد الْحَارِث ! فَفَعَلَا وَأَطَاعَاهُ , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء } الْآيَة . 12051 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ سَالِم بْن أَبِي حَفْصَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَوْله : { أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّه رَبّهمَا } إِلَى قَوْله تَعَالَى : { فَتَعَالَى اللَّه عَمَّا يُشْرِكُونَ } قَالَ : لَمَّا حَمَلَتْ حَوَّاء فِي أَوَّل وَلَد وَلَدَتْهُ حِين أَثْقَلَتْ , أَتَاهَا إِبْلِيس قَبْل أَنْ تَلِد , فَقَالَ : يَا حَوَّاء مَا هَذَا الَّذِي فِي بَطْنك ؟ فَقَالَتْ : مَا أَدْرِي . فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ يَخْرُج ؟ مِنْ أَنْفك , أَوْ مِنْ عَيْنك , أَوْ مِنْ أُذُنك ؟ قَالَتْ : لَا أَدْرِي . قَالَ : أَرَأَيْت إِنْ خَرَجَ سَلِيمًا أَتُطِيعِينَنِي أَنْتَ فِيمَا آمُرك بِهِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . قَالَ : سَمِّيهِ عَبْد الْحَارِث ! وَقَدْ كَانَ يُسَمَّى إِبْلِيس الْحَارِث , فَقَالَتْ : نَعَمْ . ثُمَّ قَالَتْ بَعْد ذَلِكَ لِآدَم : أَتَانِي آتٍ فِي النَّوْم فَقَالَ لِي كَذَا وَكَذَا , فَقَالَ : إِنَّ ذَلِكَ الشَّيْطَان فَاحْذَرِيهِ , فَإِنَّهُ عَدُوّنَا الَّذِي أَخْرَجَنَا مِنْ الْجَنَّة ! ثُمَّ أَتَاهَا إِبْلِيس , فَأَعَادَ عَلَيْهَا , فَقَالَتْ : نَعَمْ . فَلَمَّا وَضَعَتْهُ أَخْرَجَهُ اللَّه سَلِيمًا , فَسَمَّتْهُ عَبْد الْحَارِث , فَهُوَ قَوْله : { جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّه عَمَّا يُشْرِكُونَ } 12052 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير وَابْن فُضَيْل , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قِيلَ لَهُ : أَشْرَكَ آدَم ؟ قَالَ : أَعُوذ بِاَللَّهِ أَنْ أَزْعُم أَنَّ آدَم أَشْرَكَ ! وَلَكِنَّ حَوَّاء لَمَّا أَثْقَلَتْ , أَتَاهَا إِبْلِيس فَقَالَ لَهَا : مِنْ أَيْنَ يَخْرُج هَذَا , مِنْ أَنْفك أَوْ مِنْ عَيْنك أَوْ مِنْ فِيك ؟ فَقَنَّطَهَا , ثُمَّ قَالَ : أَرَأَيْت إِنْ خَرَجَ سَوِيًّا - زَادَ اِبْن فُضَيْل - لَمْ يَضُرّك وَلَمْ يَقْتُلك أَتُطِيعِينَنِي ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . قَالَ : فَسَمِّيهِ عَبْد الْحَارِث ! فَفَعَلَتْ . زَادَ جَرِير : فَإِنَّمَا كَانَ شِرْكه فِي الِاسْم . 12053 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : فَوَلَدَتْ غُلَامًا , يَعْنِي حَوَّاء , فَأَتَاهُمَا إِبْلِيس فَقَالَ : سَمُّوهُ عَبْدِي وَإِلَّا قَتَلْته ! قَالَ لَهُ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام : قَدْ أَطَعْتُك وَأَخْرَجْتنِي مِنْ الْجَنَّة , فَأَبَى أَنْ يُطِيعهُ , فَسَمَّاهُ عَبْد الرَّحْمَن , فَسَلَّطَ اللَّه عَلَيْهِ إِبْلِيس فَقَتَلَهُ . فَحَمَلَتْ بِآخَر ; فَلَمَّا وَلَدَتْهُ قَالَ لَهَا : سَمِّيهِ عَبْدِي وَإِلَّا قَتَلْته ! قَالَ لَهُ آدَم : قَدْ أَطَعْتُك فَأَخْرَجْتنِي مِنْ الْجَنَّة . فَأَبَى , فَسَمَّاهُ صَالِحًا فَقَتَلَهُ . فَلَمَّا أَنْ كَانَ الثَّالِث , قَالَ لَهُمَا : فَإِذَا غُلِبْتُمْ فَسَمُّوهُ عَبْد الْحَارِث ! وَكَانَ اِسْم إِبْلِيس ; وَإِنَّمَا سُمِّيَ إِبْلِيس حِين أُبْلِسَ. فَفَعَلُوا , فَذَلِكَ حِين يَقُول اللَّه : { جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا } يَعْنِي فِي التَّسْمِيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْمَعْنِيّ بِذَلِكَ رَجُل وَامْرَأَة مِنْ أَهْل الْكُفْر مِنْ بَنِي آدَم جَعَلَا لِلَّهِ شُرَكَاء مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان حِين رَزَقَهُمَا مَا رَزَقَهُمَا مِنْ الْوَلَد . وَقَالُوا : مَعْنَى الْكَلَام : هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجهَا لِيَسْكُن إِلَيْهَا , فَلَمَّا تَغَشَّاهَا : أَيْ هَذَا الرَّجُل الْكَافِر , حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا , فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوْتُمَا اللَّه رَبّكُمَا . قَالُوا : وَهَذَا مِمَّا اُبْتُدِئَ بِهِ الْكَلَام عَلَى وَجْه الْخِطَاب , ثُمَّ رُدَّ إِلَى الْخَبَر عَنْ الْغَائِب , كَمَا قِيلَ : { هُوَ الَّذِي يُسَيِّركُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْر حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَة } 10 22 وَقَدْ بَيَّنَّا نَظَائِر ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12054 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سَهْل بْن يُوسُف , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن : { جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا } قَالَ : كَانَ هَذَا فِي بَعْض أَهْل الْمِلَل , وَلَمْ يَكُنْ بِآدَم . 12055 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ . قَالَ الْحَسَن : عَنَى بِهَذَا ذُرِّيَّة آدَم , مَنْ أَشْرَكَ مِنْهُمْ بَعْده . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا } 12056 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول : هُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , رَزَقَهُمْ اللَّه أَوْلَادًا فَهَوَّدُوا وَنَصَّرُوا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَا شُرَكَاء } فِي الِاسْم لَا فِي الْعِبَادَة , وَأَنَّ الْمَعْنِيّ بِذَلِكَ آدَم وَحَوَّاء لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى ذَلِكَ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا أَنْتَ قَائِل إِذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة , وَأَنَّ الْمَعْنِيّ بِهَا آدَم وَحَوَّاء فِي قَوْله : { فَتَعَالَى اللَّه عَمَّا يُشْرِكُونَ } ؟ أَهُوَ اِسْتِنْكَاف مِنْ اللَّه أَنْ يَكُون لَهُ فِي الْأَسْمَاء شَرِيك أَوْ فِي الْعِبَادَة ؟ فَإِنْ قُلْت فِي الْأَسْمَاء دَلَّ عَلَى فَسَاده قَوْله : { أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُق شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ } وَإِنْ قُلْت فِي الْعِبَادَة , قِيلَ لَك : أَفَكَانَ آدَم أَشْرَكَ فِي عِبَادَة اللَّه غَيْره ؟ قِيلَ لَهُ : إِنَّ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَتَعَالَى اللَّه عَمَّا يُشْرِكُونَ } لَيْسَ بِاَلَّذِي ظَنَنْت , وَإِنَّمَا الْقَوْل فِيهِ : فَتَعَالَى اللَّه عَمَّا يُشْرِك بِهِ مُشْرِكُو الْعَرَب مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان. فَأَمَّا الْخَبَر عَنْ آدَم وَحَوَّاء فَقَدْ اِنْقَضَى عِنْد قَوْله : { جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا } ثُمَّ اُسْتُؤْنِفَ قَوْله : { فَتَعَالَى اللَّه عَمَّا يُشْرِكُونَ } كَمَا : 12057 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { فَتَعَالَى اللَّه عَمَّا يُشْرِكُونَ } يَقُول : هَذِهِ فَصْل مِنْ آيَة آدَم خَاصَّة فِي آلِهَة الْعَرَب . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { شُرَكَاء } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض الْمَكِّيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ : " جَعَلَا لَهُ شِرْكًا " بِكَسْرِ الشِّين , بِمَعْنَى الشَّرِكَة . وَقَرَأَهُ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَعَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : { جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء } بِضَمِّ الشِّين , بِمَعْنَى جَمْع شَرِيك. وَهَذِهِ الْقِرَاءَة أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ الْقِرَاءَة لَوْ صَحَّتْ بِكَسْرِ الشِّين لَوَجَبَ أَنْ يَكُون الْكَلَام . فَلَمَّا أَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لِغَيْرِهِ فِيهِ شِرْكًا ; لِأَنَّ آدَم وَحَوَّاء لَمْ يَدِينَا بِأَنَّ وَلَدهمَا مِنْ عَطِيَّة إِبْلِيس ثُمَّ يَجْعَلَا لِلَّهِ فِيهِ شِرْكًا لِتَسْمِيَتِهِمَا إِيَّاهُ بِعَبْدِ اللَّه , وَإِنَّمَا كَانَا يَدِينَانِ لَا شَكَّ بِأَنَّ وَلَدهمَا مِنْ رِزْق اللَّه وَعَطِيَّته , ثُمَّ سَمَّيَاهُ عَبْد الْحَارِث , فَجَعَلَا لِإِبْلِيسَ فِيهِ شِرْكًا بِالِاسْمِ , فَلَوْ كَانَتْ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : " شِرْكًا " صَحِيحَة وَجَبَ مَا قُلْنَا أَنْ يَكُون الْكَلَام : جَعَلَا لِغَيْرِهِ فِيهِ شِرْكًا , وَفِي نُزُول وَحْي اللَّه بِقَوْلِهِ : { جَعَلَا لَهُ } مَا يُوَضِّح عَنْ أَنَّ الصَّحِيح مِنْ الْقِرَاءَة : { شُرَكَاء } بِضَمِّ الشِّين عَلَى مَا بَيَّنْت قَبْل . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ آدَم وَحَوَّاء إِنَّمَا سَمَّيَا اِبْنهمَا عَبْد الْحَارِث , وَالْحَارِث وَاحِد , وَقَوْله : { شُرَكَاء } جَمَاعَة , فَكَيْفَ وَصَفَهُمَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمَا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء , وَإِنَّمَا أَشْرَكَا وَاحِدًا ؟ قِيلَ : قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ الْعَرَب تُخْرِج الْخَبَر عَنْ الْوَاحِد مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمَاعَة إِذَا لَمْ تَقْصِد وَاحِدًا بِعَيْنِهِ وَلَمْ تُسَمِّهِ , كَقَوْلِهِ : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } وَإِنَّمَا كَانَ الْقَائِل ذَلِكَ وَاحِدًا , فَأَخْرَجَ الْخَبَر مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْجَمَاعَة , إِذْ لَمْ يَقْصِد قَصْده , وَذَلِكَ مُسْتَفِيض فِي كَلَام الْعَرَب وَأَشْعَارهَا .

وَأَمَّا قَوْله : { فَتَعَالَى اللَّه عَمَّا يُشْرِكُونَ } فَتَنْزِيه مِنْ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَفْسه , وَتَعْظِيم لَهَا عَمَّا يَقُول فِيهِ الْمُبْطِلُونَ وَيَدْعُونَ مَعَهُ مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان . كَمَا : 12058 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { فَتَعَالَى اللَّه عَمَّا يُشْرِكُونَ } قَالَ : هُوَ الْإِنْكَاف , أَنْكَفَ نَفْسه جَلَّ وَعَزَّ , يَقُول : عَظَّمَ نَفْسه , وَأَنْكَفَتْهُ الْمَلَائِكَة وَمَا سَبَّحَ لَهُ . 12059 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , قَالَ : سَمِعْت صَدَقَة يُحَدِّث عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : هَذَا مِنْ الْمَوْصُول وَالْمَفْصُول قَوْله : { جَعَلَا لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا } فِي شَأْن آدَم وَحَوَّاء , ثُمَّ قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَتَعَالَى اللَّه عَمَّا يُشْرِكُونَ } قَالَ : عَمَّا يُشْرِك الْمُشْرِكُونَ , وَلَمْ يَعْنِهِمَا .
أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَسورة الأعراف الآية رقم 191
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُق شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَيُشْرِكُونَ فِي عِبَادَة اللَّه , فَيَعْبُدُونَ مَعَهُ مَا لَا يَخْلُق شَيْئًا وَاَللَّه يَخْلُقهَا وَيُنْشِئهَا , وَإِنَّمَا الْعِبَادَة الْخَالِصَة لِلْخَالِقِ لَا لِلْمَخْلُوقِ ؟ وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا : 12060 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , قَالَ : وُلِدَ لِآدَم وَحَوَّاء وَلَد , فَسَمَّيَاهُ عَبْد اللَّه , فَأَتَاهُمَا إِبْلِيس فَقَالَ : مَا سَمَّيْتُمَا يَا آدَم وَيَا حَوَّاء اِبْنكُمَا ؟ قَالَ : وَكَانَ وُلِدَ لَهُمَا قَبْل ذَلِكَ وَلَد , فَسَمَّيَاهُ عَبْد اللَّه , فَمَاتَ ; فَقَالَا : سَمَّيْنَاهُ عَبْد اللَّه . فَقَالَ إِبْلِيس : أَتَظُنَّانِ أَنَّ اللَّه تَارِك عَبْده عِنْدكُمَا ؟ لَا وَاَللَّه لَيَذْهَبَنَّ بِهِ كَمَا ذَهَبَ بِالْآخَرِ ! وَلَكِنْ أَدُلّكُمَا عَلَى اِسْم يَبْقَى لَكُمَا مَا بَقِيتُمَا ؟ فَسَمَّيَاهُ عَبْد شَمْس ! قَالَ : فَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُق شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ } الشَّمْس تَخْلُق شَيْئًا حَتَّى يَكُون لَهَا عَبْد ؟ إِنَّمَا هِيَ مَخْلُوقَة . وَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَدَعَهُمَا مَرَّتَيْنِ : خَدَعَهُمَا فِي الْجَنَّة , وَخَدَعَهُمَا فِي الْأَرْض " . وَقِيلَ : { وَهُمْ يُخْلَقُونَ } , فَأَخْرَجَ مَكْنِيّهمْ مَخْرَج مَكْنِيّ بَنِي آدَم , وَقَدْ قَالَ : { أَيُشْرِكُونَ مَا } فَأَخْرَجَ ذِكْرهمْ بِ " مَا " لَا بِ " مَنْ " مَخْرَج الْخَبَر عَنْ غَيْر بَنِي آدَم , لِأَنَّ الَّذِي كَانُوا يَعْبُدُونَهُ إِنَّمَا كَانَ حَجَرًا أَوْ خَشَبًا أَوْ نُحَاسًا , أَوْ بَعْض الْأَشْيَاء الَّتِي يُخْبَر عَنْهَا بِ " مَا " لَا بِ " مَنْ " , فَقِيلَ : " وَهُمْ " , فَأُخْرِجَتْ كِنَايَتهمْ مَخْرَج كِنَايَة بَنِي آدَم , لِأَنَّ الْخَبَر عَنْهَا بِتَعْظِيمِ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهَا نَظِير الْخَبَر عَنْ تَعْظِيم النَّاس بَعْضهمْ بَعْضًا .
وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَسورة الأعراف الآية رقم 192
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسهمْ يَنْصُرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَيُشْرِكُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي عِبَادَة اللَّه مَا لَا يَخْلُق شَيْئًا مِنْ خَلْق اللَّه , وَلَا يَسْتَطِيع أَنْ يَنْصُرهُمْ إِنْ أَرَادَ اللَّه أَوْ أَحَلَّ بِهِمْ عُقُوبَة , وَلَا هُوَ قَادِر إِنْ أَرَادَ بِهِ سُوءًا نَصْر نَفْسه وَلَا دَفْع ضُرّ عَنْهَا . وَإِنَّمَا لِلْعَابِدِ يَعْبُد مَا يَعْبُدهُ لِاجْتِلَابِ نَفْع مِنْهُ أَوْ لِدَفْعِ ضُرّ مِنْهُ عَنْ نَفْسه . وَآلِهَتهمْ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا وَيُشْرِكُونَهَا فِي عِبَادَة اللَّه لَا تَنْفَعهُمْ وَلَا تَضُرّهُمْ , بَلْ لَا تَجْتَلِب إِلَى نَفْسهَا نَفْعًا وَلَا تَدْفَع عَنْهَا ضُرًّا , فَهِيَ مِنْ نَفْع غَيْر أَنْفُسهَا أَوْ دَفْع الضُّرّ عَنْهَا أَبْعَد . يُعَجِّب تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلْقه مِنْ عَظِيم خَطَأ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتهمْ اللَّه غَيْره .
وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَسورة الأعراف الآية رقم 193
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره فِي وَصْفه وَعَيْبه مَا يُشْرِك هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتهمْ رَبّهمْ إِيَّاهُ : وَمِنْ صِفَته أَنَّكُمْ أَيّهَا النَّاس إِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الطَّرِيق الْمُسْتَقِيم , وَالْأَمْر الصَّحِيح السَّدِيد { لَا يَتَّبِعُوكُمْ } لِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَعْقِل شَيْئًا , فَتَتْرُك مِنْ الطُّرُق مَا كَانَ عَنْ الْقَصْد مُنْعَدِلًا جَائِزًا , وَتَرْكَب مَا كَانَ مُسْتَقِيمًا سَدِيدًا . وَإِنَّمَا أَرَادَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِوَصْفِ آلِهَتهمْ بِذَلِكَ مِنْ صِفَتهَا تَنْبِيههمْ عَلَى عَظِيم خَطَئِهِمْ , وَقُبْح اِخْتِيَارهمْ , يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَكَيْفَ يَهْدِيكُمْ إِلَى الرَّشَاد مَنْ إِنْ دُعِيَ إِلَى الرَّشَاد وَعُرِّفَهُ لَمْ يَعْرِفهُ , وَلَمْ يَفْهَم رَشَادًا مِنْ ضَلَال , وَكَانَ سَوَاء دُعَاء دَاعِيه إِلَى الرَّشَاد وَسُكُوته , لِأَنَّهُ لَا يَفْهَم دُعَاءَهُ , وَلَا يَسْمَع صَوْته , وَلَا يَعْقِل مَا يُقَال لَهُ ؟ يَقُول : فَكَيْفَ يُعْبَد مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَته أَمْ كَيْفَ يُشْكِل عَظِيم جَهْل مَنْ اِتَّخَذَ مَا هَذِهِ صِفَته إِلَهًا ؟ وَإِنَّمَا الرَّبّ الْمَعْبُود هُوَ النَّافِع مَنْ يَعْبُدهُ , الضَّارّ مَنْ يَعْصِيه , النَّاصِر وَلِيّه , الْخَاذِل عَدُوّهُ , الْهَادِي إِلَى الرَّشَاد مَنْ أَطَاعَهُ , السَّامِع دُعَاء مَنْ دَعَاهُ . وَقِيلَ : { سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ } فَعَطَفَ بِقَوْلِهِ : " صَامِتُونَ " , وَهُوَ اِسْم عَلَى قَوْله : " أَدَعَوْتُمُوهُمْ " , وَهُوَ فِعْل مَاضٍ , وَلَمْ يَقُلْ : أَمْ صَمَتُّمْ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر . سَوَاء عَلَيْك الْقَفْز أَمْ بِتّ لَيْلَة بِأَهْلِ الْقِبَاب مِنْ نُمَيْر بْن عَامِر وَقَدْ يُنْشَد : " أَمْ أَنْتَ بَائِت " .
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَسورة الأعراف الآية رقم 194
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه عِبَاد أَمْثَالكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان مُوَبِّخهمْ عَلَى عِبَادَتهمْ مَا لَا يَضُرّهُمْ وَلَا يَنْفَعهُمْ مِنْ الْأَصْنَام : إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ آلِهَة مِنْ دُون اللَّه , وَتَعْبُدُونَهَا شِرْكًا مِنْكُمْ وَكُفْرًا بِاَللَّهِ , { عِبَاد أَمْثَالكُمْ } يَقُول : هُمْ أَمْلَاك لِرَبِّكُمْ , كَمَا أَنْتُمْ لَهُ مَمَالِيك . فَإِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَنَّهَا تَضُرّ وَتَنْفَع وَأَنَّهَا تَسْتَوْجِب مِنْكُمْ الْعِبَادَة لِنَفْعِهَا إِيَّاكُمْ , فَلْيَسْتَجِيبُوا لِدُعَائِكُمْ إِذَا دَعَوْتُمُوهُمْ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ لِأَنَّهَا لَا تَسْمَع دُعَاءَكُمْ , فَأَيْقِنُوا بِأَنَّهَا لَا تَنْفَع وَلَا تَضُرّ ; لِأَنَّ الضُّرّ وَالنَّفْع إِنَّمَا يَكُونَانِ مِمَّنْ إِذَا سُئِلَ سَمِعَ مَسْأَلَة سَائِل وَأَعْطَى وَأَفْضَلَ ; وَمَنْ إِذَا شُكِيَ إِلَيْهِ مِنْ شَيْء سَمِعَ فَضَرَّ مَنْ اِسْتَحَقَّ الْعُقُوبَة وَنَفَعَ مَنْ لَا يَسْتَوْجِب الضُّرّ .
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِسورة الأعراف الآية رقم 195
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَهُمْ أَرْجُل يَمْشُونَ بِهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَبَدُوا الْأَصْنَام مِنْ دُونه مُعَرِّفهمْ جَهْل مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ : أَلِأَصْنَامِكُمْ هَذِهِ أَيّهَا الْقَوْم { أَرْجُل يَمْشُونَ بِهَا } فَيَسْعَوْنَ مَعَكُمْ وَلَكُمْ فِي حَوَائِجكُمْ وَيَتَصَرَّفُونَ بِهَا فِي مَنَافِعكُمْ .

{ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا } فَيَدْفَعُونَ عَنْكُمْ وَيَنْصُرُونَكُمْ بِهَا عِنْد قَصْد مَنْ يَقْصِدكُمْ بِشَرٍّ وَمَكْرُوه .

{ أَمْ لَهُمْ أَعْيُن يُبْصِرُونَ بِهَا } فَيُعَرِّفُوكُمْ مَا عَايَنُوا وَأَبْصَرُوا مِمَّا تَغِيبُونَ عَنْهُ فَلَا تَرَوْنَهُ .

{ أَمْ لَهُمْ آذَان يَسْمَعُونَ بِهَا } فَيُخْبِرُوكُمْ بِمَا سَمِعُوا دُونكُمْ مِمَّا لَمْ تَسْمَعُوهُ ؟ يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَإِنْ كَانَتْ آلِهَتكُمْ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا لَيْسَ فِيهَا شَيْء مِنْ هَذِهِ الْآلَات الَّتِي ذَكَرْتهَا , وَالْمُعَظَّم مِنْ الْأَشْيَاء إِنَّمَا يُعَظَّم لِمَا يُرْجَى مِنْهُ مِنْ الْمَنَافِع الَّتِي تُوَصِّل إِلَيْهِ بَعْض هَذِهِ الْمَعَانِي عِنْدكُمْ , فَمَا وَجْه عِبَادَتكُمْ أَصْنَامكُمْ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا , وَهِيَ خَالِيَة مِنْ كُلّ هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي بِهَا يُوصَل إِلَى اِجْتِلَاب النَّفْع وَدَفْعِ الضُّرّ ؟

{ فَلَا تُنْظِرُونِ } يَقُول : فَلَا تُؤَخِّرُونِ بِالْكَيْدِ وَالْمَكْر , وَلَكِنْ عَجِّلُوا بِذَلِكَ. يُعْلِمهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَضُرُّوهُ , وَأَنَّهُ قَدْ عَصَمَهُ مِنْهُمْ , وَيُعَرِّف الْكَفَرَة بِهِ عَجْز أَوْثَانهمْ عَنْ نُصْرَة مَنْ بَغَى أَوْلِيَاءَهُمْ بِسُوءٍ .
إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَسورة الأعراف الآية رقم 196
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّه الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَاب وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان : إِنَّ وَلِيِّيَ نَصِيرِي وَمُعِينِي وَظَهِيرِي عَلَيْكُمْ اللَّه الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَاب عَلَيَّ بِالْحَقِّ , وَهُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى مَنْ صَلُحَ عَمَله بِطَاعَتِهِ مِنْ خَلْقه.
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَسورة الأعراف الآية رقم 197
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونه لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْركُمْ وَلَا أَنْفُسهمْ يَنْصُرُونَ } وَهَذَا أَيْضًا أَمْر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ أَنْ يَقُولهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : قُلْ لَهُمْ , إِنَّ اللَّه نَصِيرِي وَظَهِيرِي , وَاَلَّذِينَ تَدْعُونَ أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُون اللَّه مِنْ الْآلِهَة , لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْركُمْ , وَلَا هُمْ مَعَ عَجْزهمْ عَنْ نُصْرَتكُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى نُصْرَة أَنْفُسهمْ , فَأَيّ هَذَيْنِ أَوْلَى بِالْعِبَادَةِ وَأَحَقّ بِالْأُلُوهَةِ , أَمَنْ يَنْصُر وَلِيّه وَيَمْنَع نَفْسه مِمَّنْ أَرَادَهُ , أَمْ مَنْ لَا يَسْتَطِيع نَصْر وَلِيّه وَيَعْجِز عَنْ مَنْع نَفْسه مِمَّنْ أَرَادَهُ وَبَغَاهُ بِمَكْرُوهٍ ؟
وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَسورة الأعراف الآية رقم 198
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَلْمُشْرِكِينَ : وَإِنْ تَدْعُوا أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ آلِهَتكُمْ إِلَى الْهُدَى , وَهُوَ الِاسْتِقَامَة إِلَى السَّدَاد , { لَا يَسْمَعُوا } يَقُول : لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ. { وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } وَهَذَا خِطَاب مِنْ اللَّه لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُول : وَتَرَى يَا مُحَمَّد آلِهَتهمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ . وَلِذَلِكَ وَحَّدَ , وَلَوْ كَانَ أَمْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِطَابِ الْمُشْرِكِينَ لَقَالَ : وَتَرَوْنَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكُمْ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ السُّدِّيّ فِي ذَلِكَ مَا : 12061 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ . وَقَدْ يَحْتَمِل قَوْل السُّدِّيّ هَذَا أَنْ يَكُون أَرَادَ بِقَوْلِهِ : هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ قَوْل اللَّه : { وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا } وَقَدْ كَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 12062 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد : { وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى . وَكَأَنَّ مُجَاهِدًا وَجَّهَ مَعْنَى الْكَلَام إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ : وَتَرَى الْمُشْرِكِينَ يَنْظُرُونَ إِلَيْك وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ. فَهُوَ وَجْه , وَلَكِنَّ الْكَلَام فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْ الْآلِهَة فَهُوَ بِوَصْفِهَا أَشْبَه . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا مَعْنَى قَوْله : { وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْك وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } ؟ وَهَلْ يَجُوز أَنْ يَكُون شَيْء يَنْظُر إِلَى شَيْء وَلَا يَرَاهُ ؟ قِيلَ : إِنَّ الْعَرَب تَقُول لِلشَّيْءِ إِذَا قَابَلَ شَيْئًا أَوْ حَاذَاهُ هُوَ يَنْظُر إِلَى كَذَا , وَيُقَال : مَنْزِل فُلَان يَنْظُر إِلَى مَنْزِلِي إِذَا قَابَلَهُ . وَحُكِيَ عَنْهَا : إِذَا أَتَيْت مَوْضِع كَذَا وَكَذَا , فَنَظَرَ إِلَيْك الْجَبَل , فَخُذْ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا . وَحُدِّثْت عَنْ أَبِي عُبَيْد , قَالَ : قَالَ الْكِسَائِيّ : الْحَائِط يَنْظُر إِلَيْك إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْك حَيْثُ تَرَاهُ , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : إِذَا نَظَرَتْ بِلَاد بَنِي تَمِيم بِعَيْنٍ أَوْ بِلَاد بَنِي صُبَاح يُرِيد : تَقَابَلَ نَبْتهَا وَعُشْبهَا وَتَحَاذَى. فَمَعْنَى الْكَلَام : وَتَرَى يَا مُحَمَّد آلِهَة هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان يُقَابِلُونَك وَيُحَاذُونَك , وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَك , لِأَنَّهُ لَا أَبْصَار لَهُمْ . وَقِيلَ : " وَتَرَاهُمْ " , وَلَمْ يَقُلْ : " وَتَرَاهَا " , لِأَنَّهَا صُوَر مُصَوَّرَة عَلَى صُوَر بَنِي آدَم .
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَسورة الأعراف الآية رقم 199
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { خُذْ الْعَفْو } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله : خُذْ الْعَفْو مِنْ أَخْلَاق النَّاس , وَهُوَ الْفَضْل وَمَا لَا يُجْهِدهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12063 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { خُذْ الْعَفْو } قَالَ : مِنْ أَخْلَاق النَّاس وَأَعْمَالهمْ بِغَيْرِ تَحَسُّس . * حَدَّثَنَا يَعْقُوب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { خُذْ الْعَفْو } قَالَ : عَفْو أَخْلَاق النَّاس , وَعَفْو أُمُورهمْ . 12064 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني اِبْن أَبِي الزِّنَاد , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْله : { خُذْ الْعَفْو } الْآيَة . قَالَ عُرْوَة : أَمَرَ اللَّه رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذ الْعَفْو مِنْ أَخْلَاق النَّاس . 12065 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن الزُّبَيْر , قَالَ : مَا أَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة إِلَّا فِي أَخْلَاق النَّاس : { خُذْ الْعَفْو وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِد : { خُذْ الْعَفْو } مِنْ أَخْلَاق النَّاس وَأَعْمَالهمْ بِغَيْرِ تَحَسُّس . * قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ وَهْب بْن كَيْسَان , عَنْ اِبْن الزُّبَيْر : { خُذْ الْعَفْو } قَالَ : مِنْ أَخْلَاق النَّاس , وَاَللَّه لَآخُذَنَّهُ مِنْهُمْ مَا صَحِبْتهمْ. * قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن الزُّبَيْر , قَالَ : إِنَّمَا أَنْزَلَ اللَّه { خُذْ الْعَفْو } مِنْ أَخْلَاق النَّاس . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَهُ - ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { خُذْ الْعَفْو } قَالَ : مِنْ أَخْلَاق النَّاس وَأَعْمَالهمْ مِنْ غَيْر تَجَسُّس أَوْ تَحَسُّس , شَكَّ أَبُو عَاصِم . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : { خُذْ الْعَفْو } مِنْ أَمْوَال النَّاس , وَهُوَ الْفَضْل . قَالُوا : وَأُمِرَ بِذَلِكَ قَبْل نُزُول الزَّكَاة , فَلَمَّا نَزَلَتْ الزَّكَاة نُسِخَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12066 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله { خُذْ الْعَفْو } يَعْنِي : خُذْ مَا عَفَا لَك مِنْ أَمْوَالهمْ , وَمَا أَتَوْك بِهِ مِنْ شَيْء فَخُذْهُ . فَكَانَ هَذَا قَبْل أَنْ تَنْزِل بَرَاءَة بِفَرَائِض الصَّدَقَات وَتَفْصِيلهَا وَمَا اِنْتَهَتْ الصَّدَقَات إِلَيْهِ . 12067 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن . قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { خُذْ الْعَفْو } أَمَّا الْعَفْو : فَالْفَضْل مِنْ الْمَال , نَسَخَتْهَا الزَّكَاة . 12068 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك , يَقُول فِي قَوْله : { خُذْ الْعَفْو } يَقُول : خُذْ مَا عَفَا مِنْ أَمْوَالهمْ , وَهَذَا قَبْل أَنْ تَنْزِل الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ أَمْر مِنْ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَفْوِ عَنْ الْمُشْرِكِينَ وَتَرْك الْغِلْظَة عَلَيْهِمْ قَبْل أَنْ يُفْرَض قِتَالهمْ عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12069 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { خُذْ الْعَفْو } قَالَ : أَمَرَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ عَشْر سِنِينَ بِمَكَّة . قَالَ : ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ وَأَنْ يَقْعُد لَهُمْ كُلّ مَرْصَد وَأَنْ يَحْصُرهُمْ , ثُمَّ قَالَ : { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة } الْآيَة كُلّهَا , وَقَرَأَ : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ جَاهِدْ الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } 9 73 قَالَ : وَأَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ , فَقَالَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّار وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَة } 9 123 بَعْدَمَا كَانَ أَمَرَهُمْ بِالْعَفْوِ , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّام اللَّه } 45 14 ثُمَّ لَمْ يَقْبَل مِنْهُمْ بَعْد ذَلِكَ إِلَّا الْإِسْلَام أَوْ الْقَتْل , فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَة الْعَفْو . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : خُذْ الْعَفْو مِنْ أَخْلَاق النَّاس , وَاتْرُكْ الْغِلْظَة عَلَيْهِمْ , وَقَالَ : أُمِرَ بِذَلِكَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُشْرِكِينَ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَتْبَعَ ذَلِكَ تَعْلِيمه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَاجَّته الْمُشْرِكِينَ فِي الْكَلَام , وَذَلِكَ قَوْله : { قُلْ اُدْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ } , وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِخْوَانهمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اِجْتَبَيْتهَا } 7 202 : 203 فَمَا بُيِّنَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُون مِنْ تَأْدِيبه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِشْرَتهمْ بِهِ أَشْبَهَ وَأَوْلَى مِنْ الِاعْتِرَاض بِأَمْرِهِ بِأَخْذِ الصَّدَقَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَفَمَنْسُوخ ذَلِكَ ؟ قِيلَ : لَا دَلَالَة عِنْدنَا عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخ , إِذْ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُون , وَإِنْ كَانَ اللَّه أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْرِيفه عِشْرَة مَنْ لَمْ يُؤْمَر بِقِتَالِهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ; مُرَادًا بِهِ تَأْدِيب نَبِيّ اللَّه وَالْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا فِي عِشْرَة النَّاس وَأَمْرهمْ بِأَخْذِ عَفْو أَخْلَاقهمْ , فَيَكُون وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْلهمْ نَزَلَ تَعْلِيمًا مِنْ اللَّه خَلْقه صِفَة عِشْرَة بَعْضهمْ بَعْضًا , لَمْ يَجِب اِسْتِعْمَال الْغِلْظَة وَالشِّدَّة فِي بَعْضهمْ , فَإِذَا وَجَبَ اِسْتِعْمَال ذَلِكَ فِيهِمْ اُسْتُعْمِلَ الْوَاجِب , فَيَكُون قَوْله : { خُذْ الْعَفْو } أَمْرًا بِأَخْذِهِ مَا لَمْ يَجِب غَيْر الْعَفْو , فَإِذَا وَجَبَ غَيْره أُخِذَ الْوَاجِب وَغَيْر الْوَاجِب إِذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ ; فَلَا يُحْكَم عَلَى الْآيَة بِأَنَّهَا مَنْسُوخَة لِمَا قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي نَظَائِره فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كُتُبنَا .

وَأَمَّا قَوْله : { وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 12070 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن الزِّبْرِقَان النَّخَعِيّ , قَالَ : ثني حُسَيْن الْجُعْفِيّ , عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ رَجُل قَدْ سَمَّاهُ , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { خُذْ الْعَفْو وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنْ الْجَاهِلِينَ } قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا جِبْرِيل مَا هَذَا " ؟ قَالَ : مَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَل الْعَالِم . قَالَ : ثُمَّ قَالَ جِبْرِيل : يَا مُحَمَّد إِنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَصِل مَنْ قَطَعَك , وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَك , وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَك . 12071 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ أُبَيّ , قَالَ : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { خُذْ الْعَفْو وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنْ الْجَاهِلِينَ } قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا هَذَا يَا جِبْرِيل " ؟ قَالَ : إِنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَك , وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَك , وَتَصِل مَنْ قَطَعَك . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 12072 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ : { وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } يَقُول : بِالْمَعْرُوفِ . 12073 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } قَالَ : أَمَّا الْعُرْف : فَالْمَعْرُوف. 12074 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ } أَيْ بِالْمَعْرُوفِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَمَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُر النَّاس بِالْعُرْفِ , وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب , مَصْدَر فِي مَعْنَى الْمَعْرُوف , يُقَال أَوْلَيْته عُرْفًا وَعَارِفًا وَعَارِفَة كُلّ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْمَعْرُوف . فَإِذَا كَانَ مَعْنَى الْعُرْف ذَلِكَ , فَمِنْ الْمَعْرُوف صِلَة رَحِم مَنْ قَطَعَ , وَإِعْطَاء مَنْ حَرَمَ , وَالْعَفْو عَمَّنْ ظَلَمَ . وَكُلّ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ مِنْ الْأَعْمَال أَوْ نَدَبَ إِلَيْهِ فَهُوَ مِنْ الْعُرْف . وَلَمْ يُخَصِّص اللَّه مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى دُون مَعْنًى ; فَالْحَقّ فِيهِ أَنْ يُقَال : قَدْ أَمَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُر عِبَاده بِالْمَعْرُوفِ كُلّه لَا بِبَعْضِ مَعَانِيه دُون بَعْض .

وَأَمَّا قَوْله : { وَأَعْرِض عَنْ الْجَاهِلِينَ } فَإِنَّهُ أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْرِض عَمَّنْ جَهِلَ . وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا مِنْ اللَّه لِنَبِيِّهِ , فَإِنَّهُ تَأْدِيب مِنْهُ عَزَّ ذِكْره لِخَلْقِهِ بِاحْتِمَالِ مَنْ ظَلَمَهُمْ أَوْ اِعْتَدَى عَلَيْهِمْ , لَا بِالْإِعْرَاضِ عَمَّنْ جَهِلَ الْوَاجِب عَلَيْهِ مِنْ حَقّ اللَّه وَلَا بِالصَّفْحِ عَمَّنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَجَهِلَ وَحْدَانِيّته , وَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ حَرْب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12075 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { خُذْ الْعَفْو وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ } قَالَ : أَخْلَاق أَمَرَ اللَّه بِهَا نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَدَلَّهُ عَلَيْهَا.
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌسورة الأعراف الآية رقم 200
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَان نَزْغ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ إِنَّهُ سَمِيع عَلِيم } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَان نَزْع } وَإِمَّا يُغْضِبَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَان غَضَب يَصُدّك عَنْ الْإِعْرَاض عَنْ الْجَاهِلِينَ وَيَحْمِلك عَلَى مُجَازَاتهمْ. { فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ } يَقُول : فَاسْتَجْرِ بِاَللَّهِ مِنْ نَزْغه . { إِنَّهُ سَمِيع عَلِيم } يَقُول : إِنَّ اللَّه الَّذِي تَسْتَعِيذ بِهِ مِنْ نَزْع الشَّيْطَان سَمِيع لِجَهْلِ الْجَاهِل عَلَيْك وَلِاسْتِعَاذَتِك بِهِ مِنْ نَزْغه وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَام خَلْقه , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء , عَلِيم بِمَا يُذْهِب عَنْك نَزْغ الشَّيْطَان وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُور خَلْقه . كَمَا : 12076 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { خُذْ الْعَفْو وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنْ الْجَاهِلِينَ } قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَكَيْفَ بِالْغَضَبِ يَا رَبّ " ؟ قَالَ : { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَان نَزْغ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ إِنَّهُ سَمِيع عَلِيم } 12077 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَان نَزْغ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ إِنَّهُ سَمِيع عَلِيم } قَالَ : عَلِمَ اللَّه أَنَّ هَذَا الْعَدُوّ مَنِيع وَمَرِيد . وَأَصْل النَّزْغ : الْفَسَاد , يَقُول : نَزَغَ الشَّيْطَان بَيْن الْقَوْم إِذَا أَفْسَدَ بَيْنهمْ وَحَمَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَيُقَال مِنْهُ : نَزَغَ يَنْزِغ , وَنَغَزَ يَنْغَز .
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَسورة الأعراف الآية رقم 201
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ اِتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِف مِنْ الشَّيْطَان تَذَّكَّرُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ الَّذِينَ اِتَّقَوْا } اللَّه مِنْ خَلْقه , فَخَافُوا عِقَابه بِأَدَاءِ فَرَائِضه , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه { إِذَا مَسَّهُمْ طَائِف مِنْ الشَّيْطَان تَذَكَّرُوا } يَقُول : إِذَا أَلَمَّ بِهِمْ طَيْف مِنْ الشَّيْطَان مِنْ غَضَب أَوْ غَيْره مِمَّا يَصُدّ عَنْ وَاجِب حَقّ اللَّه عَلَيْهِمْ , تَذَكَّرُوا عِقَاب اللَّه وَثَوَابه وَوَعْده وَوَعِيده , وَأَبْصَرُوا الْحَقّ فَعَمِلُوا بِهِ , وَانْتَهَوْا إِلَى طَاعَة اللَّه فِيمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ وَتَرَكُوا فِيهِ طَاعَة الشَّيْطَان . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : " طَيْف " فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : { طَائِف } عَلَى مِثَال فَاعِل , وَقَرَأَهُ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ : " طَيْف مِنْ الشَّيْطَان " . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب فِي فَرْق مَا بَيْن الطَّائِف وَالطَّيْف . قَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ : الطَّائِف وَالطَّيْف سَوَاء , وَهُوَ مَا كَانَ كَالْخَيَالِ وَالشَّيْء يُلِمّ بِك . قَالَ : وَيَجُوز أَنْ يَكُون الطَّيْف مُخَفَّفًا عَنْ طَيِّف مِثْل مَيِّت وَمَيْت . وَقَالَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ : الطَّائِف : مَا طَافَ بِك مِنْ وَسْوَسَة الشَّيْطَان , وَأَمَّا الطَّيْف : فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ اللَّمَم وَالْمَسّ . وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ : الطَّيْف : اللَّمَم , وَالطَّائِف : كُلّ شَيْء طَافَ بِالْإِنْسَانِ . وَذُكِرَ عَنْ أَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء أَنَّهُ كَانَ يَقُول : الطَّيْف : الْوَسْوَسَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { طَائِف مِنْ الشَّيْطَان } لِأَنَّ أَهْل التَّأْوِيل تَأَوَّلُوا ذَلِكَ بِمَعْنَى الْغَضَب وَالزَّلَّة تَكُون مِنْ الْمَطِيف بِهِ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ كَانَ مَعْلُومًا إِذْ كَانَ الطَّيْف إِنَّمَا هُوَ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : طَافَ يَطِيف , أَنَّ ذَلِكَ خَبَر مِنْ اللَّه عَمَّا يَمَسّ الَّذِينَ اِتَّقَوْا مِنْ الشَّيْطَان , وَإِنَّمَا يَمَسّهُمْ مَا طَافَ بِهِمْ مِنْ أَسْبَابه , وَذَلِكَ كَالْغَضَبِ وَالْوَسْوَسَة. وَإِنَّمَا يَطُوف الشَّيْطَان بِابْنِ آدَم لِيَسْتَزِلّهُ عَنْ طَاعَة رَبّه أَوْ لِيُوَسْوِس لَهُ , وَالْوَسْوَسَة وَالِاسْتِزْلَال هُوَ الطَّائِف مِنْ الشَّيْطَان , وَأَمَّا الطَّيْف فَإِنَّمَا هُوَ الْخَيَال , وَهُوَ مَصْدَر مِنْ طَافَ يَطِيف , وَيَقُول : لَمْ أَسْمَع فِي ذَلِكَ طَافَ يَطِيف , وَيَتَأَوَّلهُ بِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْمَيِّت وَهُوَ مِنْ الْوَاو . وَحَكَى الْبَصْرِيُّونَ وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ سَمَاعًا مِنْ الْعَرَب : طَافَ يَطِيف , وَطُفْت أَطِيف , وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ : أَنَّى أَلَمَّ بِك الْخَيَال يَطِيف وَمَطَافه لَك ذِكْرَة وَشُعُوف وَأَمَّا أَهْل التَّأْوِيل , فَإِنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ الطَّائِف هُوَ الْغَضَب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12078 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد : { إِذَا مَسَّهُمْ طَائِف } قَالَ : الطَّيْف : الْغَضَب . 12079 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : " إِذَا مَسَّهُمْ طَيْف مِنْ الشَّيْطَان " قَالَ : هُوَ الْغَضَب . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن رَجَاء , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْغَضَب . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { إِذَا مَسَّهُمْ طَيْف مِنْ الشَّيْطَان تَذَكَّرُوا } قَالَ : هُوَ الْغَضَب . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { طَائِف مِنْ الشَّيْطَان } قَالَ : الْغَضَب. وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ اللَّمَّة وَالزَّلَّة مِنْ الشَّيْطَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12080 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ اِتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِف مِنْ الشَّيْطَان تَذَكَّرُوا } الطَّائِف : اللَّمَّة مِنْ الشَّيْطَان . { فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } 12081 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ اِتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِف مِنْ الشَّيْطَان } يَقُول : نَزْغ مِنْ الشَّيْطَان . { تَذَكَّرُوا } 12082 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنَّ الَّذِينَ اِتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِف مِنْ الشَّيْطَان تَذَكَّرُوا } يَقُول : إِذَا زَلُّوا تَابُوا قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى , لِأَنَّ الْغَضَب مِنْ اِسْتِزْلَال الشَّيْطَان . وَاللَّمَّة مِنْ الْخَطِيئَة أَيْضًا مِنْهُ , وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ طَائِف الشَّيْطَان . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَا وَجْه لِخُصُوصِ مَعْنًى مِنْهُ دُون مَعْنًى , بَلْ الصَّوَاب أَنْ يَعُمّ كَمَا عَمّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ , فَيُقَال : إِنَّ الَّذِينَ اِتَّقَوْا إِذَا عَرَضَ لَهُمْ عَارِض مِنْ أَسْبَاب الشَّيْطَان مَا كَانَ ذَلِكَ الْعَارِض , تَذَكَّرُوا أَمْر اللَّه وَانْتَهَوْا إِلَى أَمْره .

وَأَمَّا قَوْله : { فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ هُدَى اللَّه وَبَيَانه وَطَاعَته فِيهِ , فَمُنْتَهُونَ عَمَّا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ طَائِف الشَّيْطَان . كَمَا : 12083 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } يَقُول : إِذَا هُمْ مُنْتَهُونَ عَنْ الْمَعْصِيَة , آخِذُونَ بِأَمْرِ اللَّه , عَاصُونَ لِلشَّيْطَانِ .
وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَسورة الأعراف الآية رقم 202
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِخْوَانهمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِخْوَان الشَّيَاطِين تَمُدّهُمْ الشَّيَاطِين فِي الْغَيّ . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { يَمُدُّونَهُمْ } يَزِيدُونَهُمْ . { ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ } عَمَّا قَصَرَ عَنْهُ الَّذِينَ اِتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِف مِنْ الشَّيْطَان. وَإِنَّمَا هَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ فَرِيقَيْ الْإِيمَان وَالْكُفْر , بِأَنَّ فَرِيق الْإِيمَان وَأَهْل تَقْوَى اللَّه إِذَا اِسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَان تَذَكَّرُوا عَظَمَة اللَّه وَعِقَابه , فَكَفَتْهُمْ رَهْبَته عَنْ مَعَاصِيه وَرَدَّتْهُمْ إِلَى التَّوْبَة وَالْإِنَابَة إِلَى اللَّه مِمَّا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ زَلَّة , وَأَنَّ فَرِيق الْكَافِرِينَ يَزِيدهُمْ الشَّيْطَان غَيًّا إِلَى غَيّهمْ إِذَا رَكِبُوا مَعْصِيَة مِنْ مَعَاصِي اللَّه , وَلَا يَحْجِزهُمْ تَقْوَى اللَّه وَلَا خَوْف الْمَعَاد إِلَيْهِ عَنْ التَّمَادِي فِيهَا وَالزِّيَادَة مِنْهَا , فَهُوَ أَبَدًا فِي زِيَادَة مِنْ رُكُوب الْإِثْم , وَالشَّيْطَان يَزِيدهُ أَبَدًا , لَا يُقَصِّر الْإِنْسِيّ عَنْ شَيْء مِنْ رُكُوب الْفَوَاحِش وَلَا الشَّيْطَان مِنْ مَدّه مِنْهُ . كَمَا : 12084 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِخْوَانهمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ } قَالَ : لَا الْإِنْس يُقْصِرُونَ عَمَّا يَعْمَلُونَ مِنْ السَّيِّئَات , وَلَا الشَّيَاطِين تُمْسِك عَنْهُمْ . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِخْوَانهمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ } يَقُول : هُمْ الْجِنّ يُوحَوْنَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنْ الْإِنْس , ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ , يَقُول : لَا يَسْأَمُونَ . 12085 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِخْوَانهمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيّ } إِخْوَان الشَّيَاطِين مِنْ الْمُشْرِكِينَ , يَمُدّهُمْ الشَّيْطَان فِي الْغَيّ . { ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ } 12086 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : وَإِخْوَانهمْ مِنْ الْجِنّ , يَمُدُّونَ إِخْوَانهمْ مِنْ الْإِنْس , ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ , ثُمَّ يَقُول لَا يُقْصِر الْإِنْسَان . قَالَ : وَالْمَدّ الزِّيَادَة , يَعْنِي : أَهْل الشِّرْك , يَقُول : لَا يُقْصِر أَهْل الشِّرْك , كَمَا يُقْصِر الَّذِينَ اِتَّقَوْا لِأَنَّهُمْ لَا يَحْجِزهُمْ الْإِيمَان . قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد { وَإِخْوَانهمْ } مِنْ الشَّيَاطِين { يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ } اِسْتِجْهَالًا يَمُدُّونَ أَهْل الشِّرْك . قَالَ اِبْن جُرَيْج : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّم كَثِيرًا مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس } 7 179 قَالَ : فَهَؤُلَاءِ الْإِنْس . يَقُول اللَّه : { وَإِخْوَانهمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيّ } 12087 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَإِخْوَانهمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ } قَالَ : إِخْوَان الشَّيَاطِين : يَمُدّهُمْ الشَّيَاطِين فِي الْغَيّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ. 12088 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِخْوَانهمْ } مِنْ الشَّيَاطِين . { يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيّ } اِسْتِجْهَالًا . وَكَانَ بَعْضهمْ يَتَأَوَّل قَوْله : { ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ } بِمَعْنَى : وَلَا الشَّيَاطِين يُقْصِرُونَ فِي مَدّهمْ إِخْوَانهمْ مِنْ الْغَيّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12089 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِخْوَانهمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ } عَنْهُمْ , وَلَا يَرْحَمُونَهُمْ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ بَيَّنَّا أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ , وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا مَا اِخْتَرْنَا مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ; لِأَنَّ اللَّه وَصَفَ فِي الْآيَة قَبْلهَا أَهْل الْإِيمَان بِهِ وَارْتِدَاعهمْ عَنْ مَعْصِيَته وَمَا يَكْرَههُ إِلَى مَحَبَّته عِنْد تَذَكُّرهمْ عَظَمَته , ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ الْخَبَر عَنْ إِخْوَان الشَّيَاطِين وَرُكُوبهمْ مَعَاصِيه , وَكَانَ الْأَوْلَى وَصْفهمْ بِتَمَادِيهِمْ فِيهَا , إِذْ كَانَ عَقِيب الْخَبَر عَنْ تَقْصِير الْمُؤْمِنِينَ عَنْهَا. وَأَمَّا قَوْله : { يَمُدُّونَهُمْ } فَإِنَّ الْقُرَّاء اِخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَهُ بَعْض الْمَدَنِيِّينَ : " يَمُدُّونَهُمْ " بِضَمِّ الْيَاء مِنْ أَمْدَدْت . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ : { يَمُدُّونَهُمْ } بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ مَدَدْت . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : { يَمُدُّونَهُمْ } بِفَتْحِ الْيَاء , لِأَنَّ الَّذِي يَمُدّ الشَّيَاطِين إِخْوَانهمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِنَّمَا هُوَ زِيَادَة مِنْ جِنْس الْمَمْدُود , وَإِذَا كَانَ الَّذِي مَدّ مِنْ جِنْس الْمَمْدُود كَانَ كَلَام الْعَرَب مَدَدْت لَا أَمْدَدْت . وَأَمَّا قَوْله : { يُقْصِرُونَ } فَإِنَّ الْقُرَّاء عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ : أَقْصَرْت أُقْصِر , وَلِلْعَرَبِ فِيهِ لُغَتَانِ : قَصَرْت عَنْ الشَّيْء , وَأَقْصَرْت عَنْهُ .
وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَسورة الأعراف الآية رقم 203
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَة قَالُوا لَوْلَا اِجْتَبَيْتهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا لَمْ تَأْتِ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِآيَةٍ مِنْ اللَّه { قَالُوا لَوْلَا اِجْتَبَيْتهَا } يَقُول : قَالُوا هَلَّا اِخْتَرْتهَا وَاصْطَفَيْتهَا , مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَلَكِنَّ اللَّه يَجْتَبِي مِنْ رُسُله مَنْ يَشَاء } 3 179 يَعْنِي : يَخْتَار وَيَصْطَفِي . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعه بِشَوَاهِدِهِ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : هَلَّا اِفْتَعَلْتهَا مِنْ قِبَل نَفْسك وَاخْتَلَقْتهَا ! بِمَعْنَى : هَلَّا اِجْتَبَيْتهَا اِخْتِلَافًا كَمَا تَقُول الْعَرَب : لَقَدْ اِخْتَارَ فُلَان هَذَا الْأَمْر وَتَخَيَّرَهُ اِخْتِلَافًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12090 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا أَجْتَبَيْتهَا } أَيْ لَوْلَا أَتَيْتنَا بِهَا مِنْ قِبَل نَفْسك ; هَذَا قَوْل كُفَّار قُرَيْش . 12091 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اِجْتَبَيْتهَا } قَالُوا : لَوْلَا اِقْتَضَبْتهَا ; قَالُوا : تُخْرِجهَا مِنْ نَفْسك. 12092 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا اِجْتَبَيْتهَا } قَالُوا : لَوْلَا تَقَوَّلْتهَا , جِئْت بِهَا مِنْ عِنْدك . 12093 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَوْلَا اِجْتَبَيْتهَا } يَقُول : لَوْلَا تَلَقَّيْتهَا . وَقَالَ مَرَّة أُخْرَى : لَوْلَا أَحْدَثْتهَا فَأَنْشَأْتهَا . 12094 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { قَالُوا لَوْلَا اِجْتَبَيْتهَا } يَقُول : لَوْلَا أَحْدَثْتهَا . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَوْلَا اِجْتَبَيْتهَا } قَالَ : لَوْلَا جِئْت بِهَا مِنْ نَفْسك . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : هَلَّا أَخَذْتهَا مِنْ رَبّك وَتَقَبَّلْتهَا مِنْهُ ! ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12095 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { لَوْلَا اِجْتَبَيْتهَا } يَقُول : لَوْلَا تَقَبَّلْتهَا مِنْ اللَّه . 12096 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { لَوْلَا اِجْتَبَيْتهَا } يَقُول : لَوْلَا تَلَقَّيْتهَا مِنْ رَبّك . 12097 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { لَوْلَا اِجْتَبَيْتهَا } يَقُول : لَوْلَا أَخَذْتهَا أَنْتَ فَجِئْت بِهَا مِنْ السَّمَاء . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ , تَأْوِيل مَنْ قَالَ تَأْوِيله : هَلَّا أَحْدَثْتهَا مِنْ نَفْسك ! لِدَلَالَةِ قَوْل اللَّه : { قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِع مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِر مِنْ رَبّكُمْ } يُبَيِّن ذَلِكَ أَنَّ اللَّه إِنَّمَا أَمَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُجِيبهُمْ بِالْخَبَرِ عَنْ نَفْسه أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَّبِع مَا يُنْزِل عَلَيْهِ رَبّه وَيُوحِيه إِلَيْهِ , لَا أَنَّهُ يُحْدِث مِنْ قِبَل نَفْسه قَوْلًا وَيُنْشِئهُ فَيَدْعُو النَّاس إِلَيْهِ . وَحُكِيَ عَنْ الْفَرَّاء أَنَّهُ كَانَ يَقُول : اِجْتَبَيْت الْكَلَام وَاخْتَلَقْته وَارْتَجَلْته : إِذَا اِفْتَعَلْته مِنْ قِبَل نَفْسك . 12098 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم عَنْهُ . قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَكَانَ أَبُو زَيْد يَقُول : إِنَّمَا تَقُول الْعَرَب ذَلِكَ لِلْكَلَامِ يُبْدِيه الرَّجُل لَمْ يَكُنْ أَعَدَّهُ قَبْل ذَلِكَ فِي نَفْسه . قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَاخْتَرَعَهُ مِثْل ذَلِكَ.

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِع مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِر مِنْ رَبّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلْقَائِلِينَ لَك إِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ هَلَّا أَحْدَثْتهَا مِنْ قِبَل نَفْسك : إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِي وَلَا يَجُوز لِي فِعْله ; لِأَنَّ اللَّه إِنَّمَا أَمَرَنِي بِاتِّبَاعِ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ عِنْده , فَإِنَّمَا أَتَّبِع مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي لِأَنِّي عَبْده وَإِلَى أَمْره أَنْتَهِي وَإِيَّاهُ أُطِيع . { هَذَا بَصَائِر مِنْ رَبّكُمْ } يَقُول : هَذَا الْقُرْآن وَالْوَحْي الَّذِي أَتْلُوهُ عَلَيْكُمْ بَصَائِر مِنْ رَبّكُمْ , يَقُول : حُجَج عَلَيْكُمْ , وَبَيَان لَكُمْ مِنْ رَبّكُمْ , وَاحِدَتهَا : بَصِيرَة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { هَذَا بَصَائِر لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَة لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } 45 20 وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا وَوَحَّدَ فِي قَوْله : { هَذَا بَصَائِر مِنْ رَبّكُمْ } لَمَّا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ مُرَاد بِهِ الْقُرْآن وَالْوَحْي . وَقَوْله : { وَهُدًى } يَقُول : وَبَيَان يَهْدِي الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الطَّرِيق الْمُسْتَقِيم , وَرَحْمَة رَحِمَ اللَّه بِهِ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ , فَأَنْقَذَهُمْ بِهِ مِنْ الضَّلَالَة وَالْهَلَكَة. { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يَقُول : هُوَ بَصَائِر مِنْ اللَّه وَهُدًى وَرَحْمَة لِمَنْ آمَنَ , يَقُول لِمَنْ صَدَّقَ بِالْقُرْآنِ: إِنَّهُ تَنْزِيل اللَّه وَوَحْيه , وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ دُون مَنْ كَذَّبَ بِهِ وَجَحَدَهُ وَكَفَرَ بِهِ , بَلْ هُوَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ غَمّ وَخِزْي .
وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَسورة الأعراف الآية رقم 204
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَان فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ الْمُصَدِّقِينَ بِكِتَابِهِ الَّذِينَ الْقُرْآن لَهُمْ هُدًى وَرَحْمَة : { إِذَا قُرِئَ } عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , { الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ } يَقُول : أَصْغُوا لَهُ سَمْعكُمْ لِتَتَفَهَّمُوا آيَاته وَتَعْتَبِرُوا بِمَوَاعِظِهِ وَأَنْصِتُوا إِلَيْهِ لِتَعْقِلُوهُ وَتَتَدَبَّرُوهُ , وَلَا تَلْغَوْا فِيهِ فَلَا تَعْقِلُوهُ . { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } يَقُول : لِيَرْحَمكُمْ رَبّكُمْ بِاتِّعَاظِكُمْ بِمَوَاعِظِهِ , وَاعْتِبَاركُمْ بِعِبَرِهِ , وَاسْتِعْمَالكُمْ مَا بَيَّنَهُ لَكُمْ رَبّكُمْ مِنْ فَرَائِضه فِي آيِهِ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحَال الَّتِي أَمَرَ اللَّه بِالِاسْتِمَاعِ لِقَارِئِ الْقُرْآن إِذَا قَرَأَ وَالْإِنْصَات لَهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ حَال كَوْن الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاة خَلْف إِمَام يَأْتَمّ بِهِ , وَهُوَ يَسْمَع قِرَاءَة الْإِمَام عَلَيْهِ أَنْ يَسْمَع لِقِرَاءَتِهِ . وَقَالُوا : فِي ذَلِكَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12099 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ عَاصِم , عَنْ الْمُسَيِّب بْن رَافِع , قَالَ : كَانَ عَبْد اللَّه يَقُول : كُنَّا يُسَلِّم بَعْضنَا عَلَى بَعْض فِي الصَّلَاة , سَلَام عَلَى فُلَان , وَسَلَام عَلَى فُلَان , قَالَ : فَجَاءَ الْقُرْآن : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } 12100 - قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ إِبْرَاهِيم الْهَجَرِيّ , عَنْ أَبِي عِيَاض , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاة , فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن } وَالْآيَة الْأُخْرَى , أُمِرُوا بِالْإِنْصَاتِ . 12101 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي فَتًى مِنْ الْأَنْصَار كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا قَرَأَ شَيْئًا قَرَأَهُ , فَنَزَلَتْ : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } 12102 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ بَشِير بْن جَابِر , قَالَ : صَلَّى اِبْن مَسْعُود , فَسَمِعَ نَاسًا يَقْرَءُونَ مَعَ الْإِمَام , فَلَمَّا اِنْصَرَفَ , قَالَ : أَمَا آنَ لَكُمْ أَنْ تَفْقَهُوا ؟ أَمَا آنَ لَكُمْ أَنْ تَعْقِلُوا ؟ { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّه . 12103 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثَنَا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا الْجُرَيْرِيّ , عَنْ طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه بْن كُرَيْز , قَالَ : رَأَيْت عُبَيْد بْن عُمَيْر وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح يَتَحَدَّثَانِ وَالْقَاصّ يَقُصّ , فَقُلْت : أَلَا تَسْتَمِعَانِ إِلَى الذِّكْر وَتَسْتَوْجِبَانِ الْمَوْعُود ؟ قَالَ : فَنَظَرَا إِلَيَّ ثُمَّ أَقْبَلَا عَلَى حَدِيثهمَا . قَالَ : فَأَعَدْت فَنَظَرَا إِلَيَّ , ثُمَّ أَقْبَلَا عَلَى حَدِيثهمَا , قَالَ : فَأَعَدْت الثَّالِثَة , قَالَ : فَنَظَرَا إِلَيَّ فَقَالَا : إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الصَّلَاة : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } 12104 - حَدَّثَنِي الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي , قَالَ : سَمِعْت الْأَوْزَاعِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن عَامِر قَالَ : ثني زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } قَالَ : نَزَلَتْ فِي رَفْع الْأَصْوَات وَهُمْ خَلْف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاة . 12105 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي هَاشِم إِسْمَاعِيل بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } قَالَ : فِي الصَّلَاة . 12106 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ رَجُل , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } قَالَ : فِي الصَّلَاة . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } قَالَ : فِي الصَّلَاة . * حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت حُمَيْدًا الْأَعْرَج , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } قَالَ : فِي الصَّلَاة . * قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا حُمَيْد , عَنْ مُجَاهِد بِمِثْلِهِ. * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير وَابْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } قَالَ : فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة . 12107 - قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , وَعَنْ حَجَّاج , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , وَعَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الْحَكَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } قَالَ : فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة . * قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي هَاشِم , عَنْ مُجَاهِد : فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة . * قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 12108 - قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ وَأَبُو خَالِد , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك قَالَ : فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة. 12109 - قَالَ : ثنا جَرِير وَابْن فُضَيْل , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة . 12110 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } قَالَ : كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي صَلَاتهمْ بِحَوَائِجِهِمْ أَوَّل مَا فُرِضَتْ عَلَيْهِمْ , فَأَنْزَلَ اللَّه مَا تَسْمَعُونَ : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } 12111 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } قَالَ : كَانَ الرَّجُل يَأْتِي وَهُمْ فِي الصَّلَاة فَيَسْأَلهُمْ : كَمْ صَلَّيْتُمْ ؟ كَمْ بَقِيَ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } وَقَالَ غَيْره : كَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتهمْ فِي الصَّلَاة حِين يَسْمَعُونَ ذِكْر الْجَنَّة وَالنَّار , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن } 12112 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد وَالْمُحَارِبِيّ , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ وَرَجُل يَقْرَأ , فَنَزَلَتْ : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } * قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ الْهَجَرِيّ , عَنْ أَبِي عِيَاض , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاة , فَلَمَّا نَزَلَتْ : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } قَالَ : هَذَا فِي الصَّلَاة. 12113 - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ حُرَيْث , عَنْ عَامِر , قَالَ : فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } قَالَ : إِذَا قُرِئَ فِي الصَّلَاة . 12114 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ } يَعْنِي : فِي الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي هَاشِم , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : هَذَا فِي الصَّلَاة فِي قَوْله : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ } 12115 - قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : أَنَّهُ كَرِهَ إِذَا مَرَّ الْإِمَام بِآيَةِ خَوْف أَوْ بِآيَةِ رَحْمَة أَنْ يَقُول أَحَد مِمَّنْ خَلْفه شَيْئًا , قَالَ : السُّكُوت . 12116 - قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : قَالَ : لَا بَأْس إِذَا قَرَأَ الرَّجُل فِي غَيْر الصَّلَاة أَنْ يَتَكَلَّم . 12117 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } قَالَ : هَذَا إِذَا قَامَ الْإِمَام لِلصَّلَاةِ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا . 12118 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ يُونُس , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : لَا يَقْرَأ مَنْ وَرَاء الْإِمَام فِيمَا يَجْهَر بِهِ مِنْ الْقِرَاءَة , تَكْفِيهِمْ قِرَاءَة الْإِمَام وَإِنْ لَمْ يُسْمِعهُمْ صَوْته , وَلَكِنَّهُمْ يَقْرَءُونَ فِيمَا لَمْ يَجْهَر بِهِ سِرًّا فِي نَفْسهمْ , وَلَا يَصْلُح لِأَحَدٍ خَلْفه أَنْ يَقْرَأ مَعَهُ فِيمَا يَجْهَر بِهِ سِرًّا وَلَا عَلَانِيَة , قَالَ اللَّه : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } 12119 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن لَهِيعَة , عَنْ اِبْن هُبَيْرَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي هَذِهِ : { وَاذْكُرْ رَبّك فِي نَفْسك تَضَرُّعًا وَخِيفَة } هَذَا فِي الْمَكْتُوبَة . وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ قَصَص أَوْ قِرَاءَة بَعْد ذَلِكَ , فَإِنَّمَا هِيَ نَافِلَة . إِنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي صَلَاة مَكْتُوبَة , وَقَرَأَ وَرَاءَهُ أَصْحَابه , فَخَلَّطُوا عَلَيْهِ , قَالَ : فَنَزَلَ الْقُرْآن : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } فَهَذَا فِي الْمَكْتُوبَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة الْأَمْر بِالْإِنْصَاتِ لِلْإِمَامِ فِي الْخُطْبَة إِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فِي خُطْبَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12120 - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر , قَالَ : ثنا إِسْحَاق الْأَزْرَق , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } قَالَ : الْإِنْصَات لِلْإِمَامِ يَوْم الْجُمُعَة . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد وَابْن أَبِي عُتْبَة , عَنْ الْعَوَّام , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : فِي خُطْبَة يَوْم الْجُمُعَة. وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ : الْإِنْصَات فِي الصَّلَاة وَفِي الْخُطْبَة. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12121 - حَدَّثَنِي اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , قَالَ : سَمِعْت إِبْرَاهِيم بْن أَبِي حَمْزَة , يُحَدِّث أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } قَالَ : فِي الصَّلَاة , وَالْخُطْبَة يَوْم الْجُمُعَة . 12122 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ جَابِر , عَنْ عَطَاء , قَالَ : وَجَبَ الصُّمُوت فِي اِثْنَتَيْنِ : عِنْد الرَّجُل يَقْرَأ الْقُرْآن وَهُوَ يُصَلِّي , وَعِنْد الْإِمَام وَهُوَ يَخْطُب . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن } وَجَبَ الْإِنْصَات , قَالَ : وَجَبَ فِي اِثْنَتَيْنِ : فِي الصَّلَاة وَالْإِمَام يَقْرَأ , وَالْجُمْعَة وَالْإِمَام يَخْطُب . 12123 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ هُشَيْم , أَخْبَرَنَا مَنْ سَمِعَ الْحَسَن يَقُول : فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة , وَعِنْد الذِّكْر . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : وَجَبَ الْإِنْصَات فِي اِثْنَتَيْنِ : فِي الصَّلَاة , وَيَوْم الْجُمُعَة . 12124 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , قَالَ : سَمِعْت ثَابِت بْن عَجْلَان يَقُول : سَمِعْت سَعِيد بْن جُبَيْر يَقُول فِي قَوْله : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } قَالَ : الْإِنْصَات : يَوْم الْأَضْحَى , وَيَوْم الْفِطْر , وَيَوْم الْجُمُعَة , وَفِيمَا يَجْهَر بِهِ الْإِمَام مِنْ الصَّلَاة . 12125 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ الرَّبِيع بْن صُبَيْح , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : فِي الصَّلَاة , وَعِنْد الذِّكْر . 12126 - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَيُّوب , قَالَ : ثني اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , قَالَ : أَوْجَبَ الْإِنْصَات يَوْم الْجُمُعَة , قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وَفِي الصَّلَاة مِثْل ذَلِكَ. قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : أُمِرُوا بِاسْتِمَاعِ الْقُرْآن فِي الصَّلَاة إِذَا قَرَأَ الْإِمَام وَكَانَ مَنْ خَلْفه مِمَّنْ يَأْتَمّ بِهِ يَسْمَعهُ , وَفِي الْخُطْبَة . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِصِحَّةِ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ : " إِذَا قَرَأَ الْإِمَام فَأَنْصِتُوا " وَإِجْمَاع الْجَمِيع عَلَى أَنَّ مَنْ سَمِعَ خُطْبَة الْإِمَام مِمَّنْ عَلَيْهِ الْجُمُعَة , الِاسْتِمَاع وَالْإِنْصَات لَهَا , مَعَ تَتَابُع الْأَخْبَار بِالْأَمْرِ بِذَلِكَ , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَّهُ لَا وَقْت يَجِب عَلَى أَحَد اِسْتِمَاع الْقُرْآن وَالْإِنْصَات لِسَامِعِهِ مِنْ قَارِئِهِ إِلَّا فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ عَلَى اِخْتِلَاف فِي إِحْدَاهُمَا , وَهِيَ حَالَة أَنْ يَكُون خَلْف إِمَام مُؤْتَمّ بِهِ . وَقَدْ صَحَّ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْله : " إِذَا قَرَأَ الْإِمَام فَانْصِتُوا " فَالْإِنْصَات خَلْفه لِقِرَاءَتِهِ وَاجِب عَلَى مَنْ كَانَ بِهِ مُؤْتَمًّا سَامِعًا قِرَاءَته بِعُمُومِ ظَاهِر الْقُرْآن وَالْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَسورة الأعراف الآية رقم 205
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرْ رَبّك فِي نَفْسك تَضَرُّعًا وَخِيفَة وَدُون الْجَهْر مِنْ الْقَوْل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاذْكُرْ أَيّهَا الْمُسْتَمِع الْمُنْصِت لِلْقُرْآنِ إِذَا قُرِئَ فِي صَلَاة أَوْ خُطْبَة , { رَبّك فِي نَفْسك } يَقُول : اِتَّعِظْ بِمَا فِي آيِ الْقُرْآن , وَاعْتَبِرْ بِهِ , وَتَذَكَّرْ مَعَادك إِلَيْهِ عِنْد سَمَاعِكَهُ. { تَضَرُّعًا } يَقُول : اِفْعَلْ ذَلِكَ تَخَشُّعًا لِلَّهِ وَتَوَاضُعًا لَهُ . { وَخِيفَة } يَقُول : وَخَوْفًا مِنْ اللَّه أَنْ يُعَاقِبك عَلَى تَقْصِير يَكُون مِنْك فِي الِاتِّعَاظ بِهِ وَالِاعْتِبَار , وَغَفْلَة عَمَّا بَيَّنَ اللَّه فِيهِ مِنْ حُدُوده . { وَدُون الْجَهْر مِنْ الْقَوْل } يَقُول : وَدُعَاء بِاللِّسَانِ لِلَّهِ فِي خَفَاء لَا جِهَار , يَقُول : لِيَكُنْ ذِكْر اللَّه عِنْد اِسْتِمَاعك الْقُرْآن فِي دُعَاء إِنْ دَعَوْت غَيْر جِهَار , وَلَكِنْ فِي خَفَاء مِنْ الْقَوْل . كَمَا : 12127 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَاذْكُرْ رَبّك فِي نَفْسك تَضَرُّعًا وَخِيفَة وَدُون الْجَهْر مِنْ الْقَوْل } لَا يَجْهَر بِذَلِكَ . 12128 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول فِي قَوْله : { وَاذْكُرْ رَبّك فِي نَفْسك تَضَرُّعًا وَخِيفَة وَدُون الْجَهْر مِنْ الْقَوْل } الْآيَة , قَالَ : أُمِرُوا أَنْ يَذْكُرُوهُ فِي الصُّدُور تَضَرُّعًا وَخِيفَة . 12129 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ حَيَّان بْن عُمَيْر , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , فِي قَوْله : { وَاذْكُرْ رَبّك فِي نَفْسك } قَالَ : " يَقُول اللَّه إِذَا ذَكَرَنِي عَبْدِي فِي نَفْسه , ذَكَرْته فِي نَفْسِي , وَإِذَا ذَكَرَنِي عَبْدِي وَحْده ذَكَرْته وَحْدِي , وَإِذَا ذَكَرَنِي فِي مَلَإ ذَكَرْته فِي أَحْسَن مِنْهُمْ وَأَكْرَم " 12130 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { وَاذْكُرْ رَبّك فِي نَفْسك تَضَرُّعًا وَخِيفَة } قَالَ : يُؤْمَر بِالتَّضَرُّعِ فِي الدُّعَاء وَالِاسْتِكَانَة , وَيُكْرَه رَفْعُ الصَّوْت وَالنِّدَاء وَالصِّيَاح بِالدُّعَاءِ .

وَأَمَّا قَوْله : { بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِالْبَكَرِ وَالْعَشِيَّات. وَأَمَّا الْآصَال فَجَمْع . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِيهَا ; فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ جَمْع أَصِيل , كَمَا الْأَيْمَان جَمْع يَمِين , وَالْأَسْرَار جَمْع سَرِير. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : هِيَ جَمْع أُصُل , وَالْأُصُل جَمْع أَصِيل . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : هِيَ جَمْع أَصْل وَأَصِيل . قَالَ : وَإِنْ شِئْت جَعَلْت الْأُصُل جَمْعًا لِلْأَصِيلِ , وَإِنْ شِئْت جَعَلْته وَاحِدًا. قَالَ : وَالْعَرَب تَقُول : قَدْ دَنَا الْأَصْل فَيَجْعَلُونَهُ وَاحِدًا . وَهَذَا الْقَوْل أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ , وَهُوَ أَنَّهُ جَائِز أَنْ يَكُون جَمْع أَصِيل وَأُصُل , لِأَنَّهُمَا قَدْ يُجْمَعَانِ عَلَى أَفْعَال . وَأَمَّا الْآصَال فَهِيَ فِيمَا يُقَال فِي كَلَام الْعَرَب مَا بَيْن الْعَصْر إِلَى الْمَغْرِب .

وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ } فَإِنَّهُ يَقُول : وَلَا تَكُنْ مِنْ اللَّاهِينَ إِذَا قُرِئَ الْقُرْآن عَنْ عِظَاته وَعِبَره , وَمَا فِيهِ مِنْ عَجَائِبه , وَلَكِنْ تَدَبَّرْ ذَلِكَ وَتَفَهَّمْهُ , وَأَشْعِرْهُ قَلْبك بِذِكْرِ اللَّه وَخُضُوع لَهُ وَخَوْف مِنْ قُدْرَة اللَّه عَلَيْك , إِنْ أَنْتَ غَفَلْت عَنْ ذَلِكَ . 12131 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال } قَالَ : بِالْبَكَرِ وَالْعَشِيّ. { وَلَا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ } 12132 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا مُعَرِّف بْن وَاصِل السَّعْدِيّ , , قَالَ : سَمِعْت أَبَا وَائِل يَقُول لِغُلَامِهِ عِنْد مَغِيب الشَّمْس : آصَلْنَا بَعْد ؟ 12133 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد , قَوْله : { بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال } قَالَ : الْغُدُوّ : آخِر الْفَجْر صَلَاة الصُّبْح , وَالْآصَال : آخِر الْعَشِيّ صَلَاة الْعَصْر . قَالَ : وَكُلّ ذَلِكَ لَهَا وَقْت أَوَّل الْفَجْر وَآخِره , وَذَلِكَ مِثْل قَوْله فِي سُورَة آل عِمْرَان : { وَاذْكُرْ رَبّك كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَار } وَقِيلَ : الْعَشِيّ : مَيل الشَّمْس إِلَى أَنْ تَغِيب , وَالْإِبْكَار : أَوَّل الْفَجْر . 12134 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي عَنْ مُحَمَّد بْن شَرِيك عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , سُئِلَ عَنْ صَلَاة الْفَجْر , فَقَالَ : إِنَّهَا لَفِي كِتَاب اللَّه , وَلَا يَقُوم عَلَيْهَا , ثُمَّ قَرَأَ : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } الْآيَة . 12135 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَاذْكُرْ رَبّك فِي نَفْسك تَضَرُّعًا وَخِيفَة } إِلَى قَوْله : { بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال } أَمَرَ اللَّه بِذِكْرِهِ , وَنَهَى عَنْ الْغَفْلَة . أَمَّا بِالْغُدُوِّ : فَصَلَاة الصُّبْح , وَالْآصَال : بِالْعَشِيِّ .
إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَسورة الأعراف الآية رقم 206
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ عِنْد رَبّك لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَته } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا تَسْتَكْبِر أَيّهَا الْمُسْتَمِع الْمُنْصِت لِلْقُرْآنِ عَنْ عِبَادَة رَبّك , وَاذْكُرْهُ إِذَا قُرِئَ الْقُرْآن تَضَرُّعًا وَخِيفَة وَدُون الْجَهْر مِنْ الْقَوْل , فَإِنَّ الَّذِينَ عِنْد رَبّك مِنْ مَلَائِكَته لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ التَّوَاضُع لَهُ وَالتَّخَشُّع , وَذَلِكَ هُوَ الْعِبَادَة .

{ وَيُسَبِّحُونَهُ } يَقُول : وَيُعَظِّمُونَ رَبّهمْ بِتَوَاضُعِهِمْ لَهُ وَعِبَادَتهمْ .

{ وَلَهُ يَسْجُدُونَ } يَقُول : وَلِلَّهِ يُصَلُّونَ , وَهُوَ سُجُودهمْ , فَصَلُّوا أَنْتُمْ أَيْضًا لَهُ , وَعَظِّمُوهُ بِالْعِبَادَةِ كَمَا يَفْعَلهُ مَنْ عِنْده مِنْ مَلَائِكَته .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7