اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ↓
وهذا - وإن كان يستغرب على أمة كبيرة كثيرة, أن تتفق على قول - يدل على بطلانه, أدنى تفكر وتسليط للعقل عليه - فإن لذلك سببا وهو أنهم: " اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ " وهم علماؤهم " وَرُهْبَانَهُمْ " أي: العُبَّاد المتجردين للعبادة.
" أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ " يُحِلُّون لهم ما حرم اللّه, فيحلونه, ويحرمون لهم ما أحل اللّه فيحرمونه, ويشرعون لهم من الشرائع والأقوال المنافية لدين الرسل فيتبعونهم عليها.
وكانوا أيضا يغلون في مشايخهم وعبادهم, ويعظمونهم, ويتخذون قبورهم أوثانا, تعبد من دون اللّه, وتقصد بالذبائح, والدعاء, والاستغاثة.
" وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ " اتخذوه إلها من دون اللّه.
والحال أنهم خالفوا في ذلك, أمر اللّه لهم على ألسنة رسله قال اللّه تعالى: " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " فيخلصون له العبادة والطاعة, ويخصونه بالمحبة والدعاء.
فنبذوا أمر اللّه, وأشركوا به, ما لم ينزل به سلطانا.
" سُبْحَانَهُ " وتعالى " عَمَّا يُشْرِكُونَ " أي: تنزه وتقدس, وتعالت عظمته عن شركهم وافترائهم, فإنهم ينتقصونه في ذلك, ويصفونه بما لا يليق بجلاله.
واللّه تعالى العالي في أوصافه وأفعاله, عن كل ما نسب إليه, مما ينافي كماله المقدس.
فلما تبين أنه لا حجة لهم على ما قالوه, ولا برهان لما أصَّلوه, وإنما هو مجرد قول قالوه, وافتراء افتروه - أخبر أنهم " يُرِيدُونَ " بهذا " أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ " .
ونور اللّه: دينه, الذي أرسل به الرسل, وأنزل به الكتب.
وسماه اللّه نورا, لأنه يستنار به في ظلمات الجهل, والأديان الباطلة.
فإنه علم بالحق, وعمل بالحق, وما عداه, فإنه بضده.
" أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ " يُحِلُّون لهم ما حرم اللّه, فيحلونه, ويحرمون لهم ما أحل اللّه فيحرمونه, ويشرعون لهم من الشرائع والأقوال المنافية لدين الرسل فيتبعونهم عليها.
وكانوا أيضا يغلون في مشايخهم وعبادهم, ويعظمونهم, ويتخذون قبورهم أوثانا, تعبد من دون اللّه, وتقصد بالذبائح, والدعاء, والاستغاثة.
" وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ " اتخذوه إلها من دون اللّه.
والحال أنهم خالفوا في ذلك, أمر اللّه لهم على ألسنة رسله قال اللّه تعالى: " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " فيخلصون له العبادة والطاعة, ويخصونه بالمحبة والدعاء.
فنبذوا أمر اللّه, وأشركوا به, ما لم ينزل به سلطانا.
" سُبْحَانَهُ " وتعالى " عَمَّا يُشْرِكُونَ " أي: تنزه وتقدس, وتعالت عظمته عن شركهم وافترائهم, فإنهم ينتقصونه في ذلك, ويصفونه بما لا يليق بجلاله.
واللّه تعالى العالي في أوصافه وأفعاله, عن كل ما نسب إليه, مما ينافي كماله المقدس.
فلما تبين أنه لا حجة لهم على ما قالوه, ولا برهان لما أصَّلوه, وإنما هو مجرد قول قالوه, وافتراء افتروه - أخبر أنهم " يُرِيدُونَ " بهذا " أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ " .
ونور اللّه: دينه, الذي أرسل به الرسل, وأنزل به الكتب.
وسماه اللّه نورا, لأنه يستنار به في ظلمات الجهل, والأديان الباطلة.
فإنه علم بالحق, وعمل بالحق, وما عداه, فإنه بضده.
يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ↓
فهؤلاء اليهود والنصارى, ومن ضاهاهم من المشركين, يريدون أن يطفئوا نور اللّه, بمجرد أقوالهم, التي ليس عليها دليل أصلا.
" وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ " لأنه النور الباهر, الذي لا يمكن لجميع الخلق, لو اجتمعوا على إطفائه, أن يطفئوه.
والذي أنزله, جميع نواصي العباد بيده.
وقد تكفل بحفظه, من كل من يريده بسوء, ولهذا قال: " وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " وسعوا ما أمكنهم في رده وإبطاله, فإن سعيهم, لا يضر الحق شيئا.
ثم بين تعالى, هذا النور الذي قد تكفل بإتمامه وحفظه, فقال:
" وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ " لأنه النور الباهر, الذي لا يمكن لجميع الخلق, لو اجتمعوا على إطفائه, أن يطفئوه.
والذي أنزله, جميع نواصي العباد بيده.
وقد تكفل بحفظه, من كل من يريده بسوء, ولهذا قال: " وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " وسعوا ما أمكنهم في رده وإبطاله, فإن سعيهم, لا يضر الحق شيئا.
ثم بين تعالى, هذا النور الذي قد تكفل بإتمامه وحفظه, فقال:
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ↓
" هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى " الذي هو العلم النافع " وَدِينِ الْحَقِّ " الذي هو العمل الصالح فكان ما بعث اللّه به محمدا صلى الله عليه وسلم, مشتملا على بيان الحق من الباطل, في أسماء اللّه, وأوصافه, وأفعاله, وفي أحكامه وأخباره, والأمر بكل مصلحة نافعة للقلوب, والأرواح, والأبدان, من إخلاص الدين للّه وحده, ومحبة اللّه وعبادته, والأمر بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم, والأعمال الصالحة, والآداب النافعة, والنهي عن كل ما يضاد ذلك ويناقضه, من الأخلاق, والأعمال السيئة, المضرة للقلوب والأبدان, والدنيا والآخرة.
فأرسله اللّه بالهدى ودين الحق " لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ " أي: ليعليه على سائر الأديان, بالحجة والبرهان, والسيف والسنان.
وإن كره المشركون ذلك, وبغوا له الغوائل, ومكروا مكرهم, فإن المكر السيئ, لا يضر إلا صاحبه.
فوعد اللّه, لا بد أن ينجزه, وما ضمنه, لابد أن يقوم به.
فأرسله اللّه بالهدى ودين الحق " لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ " أي: ليعليه على سائر الأديان, بالحجة والبرهان, والسيف والسنان.
وإن كره المشركون ذلك, وبغوا له الغوائل, ومكروا مكرهم, فإن المكر السيئ, لا يضر إلا صاحبه.
فوعد اللّه, لا بد أن ينجزه, وما ضمنه, لابد أن يقوم به.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ↓
هذا تحذير من اللّه تعالى لعباده المؤمنين, عن كثير من الأحبار والرهبان, أي: العلماء والعباد, الذين يأكلون أموال الناس بالباطل, أي: بغير حق, ويصدون عن سبيل اللّه.
فإنهم - إذا كانت لهم رواتب من أموال الناس, أو بذل الناس لهم من أموالهم - فإنه لأجل علمهم وعبادتهم, ولأجل هداهم وهدايتهم.
وهؤلاء يأخذونها, ويصدون الناس عن سبيل اللّه, فيكون أخذهم لها, على هذا الوجه, سحتا وظلما.
فإن الناس ما بذلوا لهم من أموالهم, إلا ليدلوهم على الطريق المستقيم.
ومن أخذهم لأموال الناس بغير حق, أن يعطوهم ليفتوهم, أو يحكموا لهم بغير ما أنزل اللّه.
فهؤلاء الأحبار والرهبان, ليحذر منهم هاتان الحالتان: أخذهم لأموال الناس بغير حق, وصدهم الناس عن سبيل اللّه.
" وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ " أي: يمسكونها " وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ " أي: طرق الخير الموصلة إلى اللّه, وهذا هو الكنز المحرم, أن يمسكها عن النفقة الواجبة.
كأن يمنع منها الزكاة أو النفقات الواجبة للزوجات, أو الأقارب, أو النفقة في سبيل اللّه إذا وجبت.
" فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " ثم فسره بقوله:
فإنهم - إذا كانت لهم رواتب من أموال الناس, أو بذل الناس لهم من أموالهم - فإنه لأجل علمهم وعبادتهم, ولأجل هداهم وهدايتهم.
وهؤلاء يأخذونها, ويصدون الناس عن سبيل اللّه, فيكون أخذهم لها, على هذا الوجه, سحتا وظلما.
فإن الناس ما بذلوا لهم من أموالهم, إلا ليدلوهم على الطريق المستقيم.
ومن أخذهم لأموال الناس بغير حق, أن يعطوهم ليفتوهم, أو يحكموا لهم بغير ما أنزل اللّه.
فهؤلاء الأحبار والرهبان, ليحذر منهم هاتان الحالتان: أخذهم لأموال الناس بغير حق, وصدهم الناس عن سبيل اللّه.
" وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ " أي: يمسكونها " وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ " أي: طرق الخير الموصلة إلى اللّه, وهذا هو الكنز المحرم, أن يمسكها عن النفقة الواجبة.
كأن يمنع منها الزكاة أو النفقات الواجبة للزوجات, أو الأقارب, أو النفقة في سبيل اللّه إذا وجبت.
" فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " ثم فسره بقوله:
يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ↓
" يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا " أي: على أموالهم.
" فِي نَارِ جَهَنَّمَ " فيحمى كل دينار أو درهم على حدته.
" فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ " في يوم القيامة كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة, ويقال لهم توبيخا ولوما: " هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ " فما ظلمكم ولكنكم ظلمتم أنفسكم, وعذبتموها بهذا الكنز.
وذكر اللّه في هاتين الآيتين, انحراف الإنسان في ماله, وذلك بأحد أمرين: إما أن ينفقه في الباطل, الذي لا يجدي عليه نفعا, بل لا يناله منه إلا الضرر المحض.
وذلك كإخراج الأموال في المعاصي والشهوات, التي لا تعين على طاعة اللّه, وإخراجها للصد عن سبيل اللّه.
وإما أن يمسك ماله عن إخراجه في الواجبات, و " النهي عن الشيء, أمر بضده " .
" فِي نَارِ جَهَنَّمَ " فيحمى كل دينار أو درهم على حدته.
" فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ " في يوم القيامة كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة, ويقال لهم توبيخا ولوما: " هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ " فما ظلمكم ولكنكم ظلمتم أنفسكم, وعذبتموها بهذا الكنز.
وذكر اللّه في هاتين الآيتين, انحراف الإنسان في ماله, وذلك بأحد أمرين: إما أن ينفقه في الباطل, الذي لا يجدي عليه نفعا, بل لا يناله منه إلا الضرر المحض.
وذلك كإخراج الأموال في المعاصي والشهوات, التي لا تعين على طاعة اللّه, وإخراجها للصد عن سبيل اللّه.
وإما أن يمسك ماله عن إخراجه في الواجبات, و " النهي عن الشيء, أمر بضده " .
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ↓
يقول تعالى " إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ " أي في قضاء اللّه وقدره.
" اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا " وهي هذه الشهور المعروفة " فِي كِتَابِ اللَّهِ " أي في حكمه القدري.
" يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " وأجرى ليلها ونهارها, وقدر أوقاتها فقسمها على هذه الشهور الاثنى عشر شهرا.
" مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ " وهي رجب الفرد, وذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم.
وسميت حرما, لزيادة حرمتها, وتحريم القتال فيها.
" فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ " يحتمل أن الضمير يعود إلى الاثنى عشر شهرا, وأن اللّه تعالى, بين أنه جعلها مقادير للعباد, وأن تعمر بطاعته, ويشكر اللّه تعالى على مِنَّتِهِ بها, وتقييضها لصالح العباد, فلتحذروا من ظلم أنفسكم فيها.
ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحرم, وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها, خصوصا مع النهي عن الظلم كل وقت, لزيادة تحريمها, وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها.
ومن ذلك, النهي عن القتال فيها, على قول من قال: إن القتال في الأشهر الحرم لم ينسخ تحريمه, عملا بالنصوص العامة في تحريم القتال فيها.
ومنهم من قال: إن تحريم القتال فيها منسوخ, أخذا بعموم نحو قوله تعالى: " وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً " أي: قاتلوا جميع أنواع المشركين, والكافرين برب العالمين.
ولا تخصوا أحدا منهم بالقتال دون أحد, بل اجعلوهم كلهم لكم أعداء كما كانوا هم معكم كذلك, قد اتخذوا أهل الإيمان أعداء لهم, لا يألونهم من الشر شيئا.
ويحتمل أن " كَافَّةً " حال من الواو فيكون معنى هذا: وقاتلوا جميعكم المشركين, فيكون فيها وجوب النفير, على جميع المؤمنين.
وقد نسخت على هذا الاحتمال بقوله: " وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً " الآية.
" وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " بعونه, ونصره, وتأييده.
فلتحرصوا على استعمال تقوى اللّه, في سركم, وعلنكم, والقيام بطاعته.
خصوصا عند قتال الكفار, فإنه في هذه الحال, بما ترك المؤمن العمل بالتقوى في معاملة الكفار الأعداء المحاربين.
" اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا " وهي هذه الشهور المعروفة " فِي كِتَابِ اللَّهِ " أي في حكمه القدري.
" يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ " وأجرى ليلها ونهارها, وقدر أوقاتها فقسمها على هذه الشهور الاثنى عشر شهرا.
" مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ " وهي رجب الفرد, وذو القعدة, وذو الحجة, والمحرم.
وسميت حرما, لزيادة حرمتها, وتحريم القتال فيها.
" فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ " يحتمل أن الضمير يعود إلى الاثنى عشر شهرا, وأن اللّه تعالى, بين أنه جعلها مقادير للعباد, وأن تعمر بطاعته, ويشكر اللّه تعالى على مِنَّتِهِ بها, وتقييضها لصالح العباد, فلتحذروا من ظلم أنفسكم فيها.
ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحرم, وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها, خصوصا مع النهي عن الظلم كل وقت, لزيادة تحريمها, وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها.
ومن ذلك, النهي عن القتال فيها, على قول من قال: إن القتال في الأشهر الحرم لم ينسخ تحريمه, عملا بالنصوص العامة في تحريم القتال فيها.
ومنهم من قال: إن تحريم القتال فيها منسوخ, أخذا بعموم نحو قوله تعالى: " وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً " أي: قاتلوا جميع أنواع المشركين, والكافرين برب العالمين.
ولا تخصوا أحدا منهم بالقتال دون أحد, بل اجعلوهم كلهم لكم أعداء كما كانوا هم معكم كذلك, قد اتخذوا أهل الإيمان أعداء لهم, لا يألونهم من الشر شيئا.
ويحتمل أن " كَافَّةً " حال من الواو فيكون معنى هذا: وقاتلوا جميعكم المشركين, فيكون فيها وجوب النفير, على جميع المؤمنين.
وقد نسخت على هذا الاحتمال بقوله: " وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً " الآية.
" وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " بعونه, ونصره, وتأييده.
فلتحرصوا على استعمال تقوى اللّه, في سركم, وعلنكم, والقيام بطاعته.
خصوصا عند قتال الكفار, فإنه في هذه الحال, بما ترك المؤمن العمل بالتقوى في معاملة الكفار الأعداء المحاربين.
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ↓
النسيء هو: ما كان أهل الجاهلية يستعملونه في الأشهر الحرم.
وكان من جملة بدعهم الباطلة, أنهم لما رأوا احتياجهم للقتال, في بعض أوقات الأشهر الحرم, رأوا - بآرائهم الفاسدة - أن يحافظوا على عدة الأشهر الحرم, التي حرم اللّه القتال فيها, وأن يؤخروا بعض الأشهر الحرم, أو يقدموه, ويجعلوا مكانه من أشهر الحل, ما أرادوا.
فإذا جعلوه مكانه, أحلوا القتال فيه, وجعلوا الشهر الحلال حراما.
فهذا - كما أخبر اللّه عنهم - أنه زيادة في كفرهم وضلالهم, لما فيه من المحاذير.
منها: أنهم ابتدعوه من تلقاء أنفسهم, وجعلوه بمنزلة شرع اللّه ودينه.
واللّه ورسوله بريئان منه.
ومنها: أنهم قلبوا الدين, فجعلوا الحلال حراما, والحرام حلالا.
ومنها: أنهم مَوَّهوا على اللّه بزعمهم, وعلى عباده, ولبسوا عليهم دينهم, واستعملوا الخداع والحيلة في دين اللّه.
ومنها: أن العوائد المخالفة للشرع, مع الاستمرار عليها, يزول قبحها عن النفوس.
وربما ظن, أنها عوائد حسنة, فحصل من الغلط والضلال, ما حصل.
ولهذا قال: " يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ " أي: ليوافقوها في العدد, فيحلوا ما حرم اللّه.
" زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ " أي: زينت لهم الشياطين, الأعمال السيئة, فرأوها حسنة, بسبب العقيدة المزينة في قلوبهم.
" وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ " أي: الذين انصبغ الكفر والتكذيب في قلوبهم, فلو جاءتهم كل آية, لم يؤمنوا.
اعلم أن كثيرا من هذه السورة الكريمة, نزلت في غزوة تبوك.
إذ ندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى غزو الروم, وكان الوقت حارا, والزاد قليلا, والمعيشة عسرة.
فحصل من بعض المسلمين من التثاقل, ما أوجب أن يعاتبهم اللّه تعالى عليه ويستنهضهم, فقال تعالى:
وكان من جملة بدعهم الباطلة, أنهم لما رأوا احتياجهم للقتال, في بعض أوقات الأشهر الحرم, رأوا - بآرائهم الفاسدة - أن يحافظوا على عدة الأشهر الحرم, التي حرم اللّه القتال فيها, وأن يؤخروا بعض الأشهر الحرم, أو يقدموه, ويجعلوا مكانه من أشهر الحل, ما أرادوا.
فإذا جعلوه مكانه, أحلوا القتال فيه, وجعلوا الشهر الحلال حراما.
فهذا - كما أخبر اللّه عنهم - أنه زيادة في كفرهم وضلالهم, لما فيه من المحاذير.
منها: أنهم ابتدعوه من تلقاء أنفسهم, وجعلوه بمنزلة شرع اللّه ودينه.
واللّه ورسوله بريئان منه.
ومنها: أنهم قلبوا الدين, فجعلوا الحلال حراما, والحرام حلالا.
ومنها: أنهم مَوَّهوا على اللّه بزعمهم, وعلى عباده, ولبسوا عليهم دينهم, واستعملوا الخداع والحيلة في دين اللّه.
ومنها: أن العوائد المخالفة للشرع, مع الاستمرار عليها, يزول قبحها عن النفوس.
وربما ظن, أنها عوائد حسنة, فحصل من الغلط والضلال, ما حصل.
ولهذا قال: " يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ " أي: ليوافقوها في العدد, فيحلوا ما حرم اللّه.
" زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ " أي: زينت لهم الشياطين, الأعمال السيئة, فرأوها حسنة, بسبب العقيدة المزينة في قلوبهم.
" وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ " أي: الذين انصبغ الكفر والتكذيب في قلوبهم, فلو جاءتهم كل آية, لم يؤمنوا.
اعلم أن كثيرا من هذه السورة الكريمة, نزلت في غزوة تبوك.
إذ ندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى غزو الروم, وكان الوقت حارا, والزاد قليلا, والمعيشة عسرة.
فحصل من بعض المسلمين من التثاقل, ما أوجب أن يعاتبهم اللّه تعالى عليه ويستنهضهم, فقال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ↓
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " ألا تعلمون بمقتضى الإيمان, ودواعي اليقين, من المبادرة لأمر اللّه, والمسارعة إلى رضاه, وجهاد أعدائه لدينكم.
فـ " مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ " أي: تكاسلتم, وملتم إلى الأرض, والدعة, والكون فيها.
" أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ " أي: ما حالكم إلا حال من رضي بالدنيا, وسعى لها, ولم يبال بالآخرة, فكأنه ما آمن بها.
" فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " التي مالت بكم, وقدمتموها على الآخرة " إِلَّا قَلِيلٌ " .
أفليس قد جعل اللّه لكم عقولا, تَزِنُون بها الأمور, وأيها أحق بالإيثار؟.
أفليست الدنيا - من أولها إلى آخرها - لا نسبة لها في الآخرة.
فما مقدار عمر الإنسان القصير جدا من الدنيا, حتى يجعله الغاية, التي لا غاية وراءها.
فيجعل سعيه, وكده وهمه, وإرادته, لا يتعدى الحياة الدنيا القصيرة المملوءة بالأكدار, المشحونة بالأخطار.
فبأي رَأْيٍ, رأيتم إيثارها على الدار الآخرة, الجامعة لكل نعيم, التي فيها ما تشتهيه الأنفس, وتلذ الأعين, وأنتم فيها خالدون.
فواللّه ما آثر الدنيا على الآخرة, من وقر الإيمان في قلبه, ولا من جزل رأيه, ولا من عُدَّ من أولي الألباب.
فـ " مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ " أي: تكاسلتم, وملتم إلى الأرض, والدعة, والكون فيها.
" أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ " أي: ما حالكم إلا حال من رضي بالدنيا, وسعى لها, ولم يبال بالآخرة, فكأنه ما آمن بها.
" فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " التي مالت بكم, وقدمتموها على الآخرة " إِلَّا قَلِيلٌ " .
أفليس قد جعل اللّه لكم عقولا, تَزِنُون بها الأمور, وأيها أحق بالإيثار؟.
أفليست الدنيا - من أولها إلى آخرها - لا نسبة لها في الآخرة.
فما مقدار عمر الإنسان القصير جدا من الدنيا, حتى يجعله الغاية, التي لا غاية وراءها.
فيجعل سعيه, وكده وهمه, وإرادته, لا يتعدى الحياة الدنيا القصيرة المملوءة بالأكدار, المشحونة بالأخطار.
فبأي رَأْيٍ, رأيتم إيثارها على الدار الآخرة, الجامعة لكل نعيم, التي فيها ما تشتهيه الأنفس, وتلذ الأعين, وأنتم فيها خالدون.
فواللّه ما آثر الدنيا على الآخرة, من وقر الإيمان في قلبه, ولا من جزل رأيه, ولا من عُدَّ من أولي الألباب.
إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ↓
ثم توعدهم على عدم النفير فقال: " إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا " في الدنيا والآخرة.
فإن عدم النفير في حال الاستنفار, من كبائر الذنوب الموجبة لأشد العقاب, لما فيه من المضار الشديدة.
فإن المتخلف, قد عصى اللّه تعالى, وارتكب لنهيه, ولم يساعد على نصر دين اللّه, ولا ذب عن كتاب اللّه وشرعه, ولا أعان إخوانه المسلمين على عدوهم, الذي يريد أن يستأصلهم, ويمحق دينهم.
وربما اقتدى به غيره من ضعفاء الإيمان, بل ربما فَتَّ في أعضاد من قاموا بجهاد أعداء اللّه.
فحقيق بمن هذا حاله, أن يتوعده اللّه بالوعيد الشديد, فقال: " إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا " فإنه تعالى متكفل بنصرة دينه وإعلاء كلمته.
فسواء امتثلتم لأمر اللّه, أو ألقيتموه, وراءكم ظهريا.
" وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " لا يعجزه شيء أراده, ولا يغالبه أحد.
فإن عدم النفير في حال الاستنفار, من كبائر الذنوب الموجبة لأشد العقاب, لما فيه من المضار الشديدة.
فإن المتخلف, قد عصى اللّه تعالى, وارتكب لنهيه, ولم يساعد على نصر دين اللّه, ولا ذب عن كتاب اللّه وشرعه, ولا أعان إخوانه المسلمين على عدوهم, الذي يريد أن يستأصلهم, ويمحق دينهم.
وربما اقتدى به غيره من ضعفاء الإيمان, بل ربما فَتَّ في أعضاد من قاموا بجهاد أعداء اللّه.
فحقيق بمن هذا حاله, أن يتوعده اللّه بالوعيد الشديد, فقال: " إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا " فإنه تعالى متكفل بنصرة دينه وإعلاء كلمته.
فسواء امتثلتم لأمر اللّه, أو ألقيتموه, وراءكم ظهريا.
" وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " لا يعجزه شيء أراده, ولا يغالبه أحد.
إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ↓
أي: إلا تنصروا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم, فاللّه غني عنكم, لا تضرونه شيئا.
فقد نصره في أقل ما يكون " إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا " من مكة, لما هموا بقتله, وسعوا في ذلك, وحرصوا أشد الحرص, فالجأوه إلى أن يخرج.
" ثَانِيَ اثْنَيْنِ " أي: هو وأبو بكر الصديق رضي اللّه عنه.
" إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ " أي: لما هربا من مكة, لجآ إلى غار ثور, في أسفل مكة, فمكثا فيه ليبرد عنهما الطلب.
فهما في تلك الحالة الحرجة الشديدة المشقة, حين انتشر الأعداء من كل جانب يطلبونهما ليقتلوهما فأنزل اللّه عليهما, من نصره, ما لا يخطر على البال.
" إِذْ يَقُولُ " النبي صلى الله عليه وسلم " لِصَاحِبِهِ " أبي بكر لما حزن واشتد قلقه.
" لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا " بعونه ونصره وتأييده.
" فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ " أي: الثبات والطمأنينة, والسكون المثبتة للفؤاد.
ولهذا لما قلق صاحبه سكنه و " قال لا تحزن إن اللّه معنا " .
" وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا " وهي الملائكة الكرام, الذين جعلهم اللّه حرسا له.
" وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى " أي: الساقطة المخذولة.
فإن الذين كفروا, كانوا على حرد قادرين, في ظنهم أنهم يقدرون على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم, وأخذه, حنقين عليه, فعملوا غاية مجهودهم في ذلك.
فخذلهم اللّه, ولم يتم لهم مقصودهم, بل ولا أدركوا شيئا منه.
ونصر اللّه رسوله, بدفعه عنه.
وهذا هو النصر المذكور في هذا الموضع.
فإن النصر على قسمين, نصر المسلمين إذا طمعوا في عدوهم, بأن يتم اللّه لهم ما طلبوا, وقصدوا, ويستولوا على عدوهم, ويظهروا عليهم.
والثاني نصر المستضعف, الذين طمع فيه عدوه القادر.
فنصر اللّه إياه, أن يرد عنه عدوه, ويدافع عنه, ولعل هذا النصر أنفع النصرين.
ونصر اللّه رسوله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين من هذا النوع.
وقوله " وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا " أي كلماته القدرية, وكلماته الدينية, هي العالية على كلمة غيره, التي من جملتها قوله: " وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ " , " إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ " , " وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ " .
فدين اللّه, هو الظاهر العالي, على سائر الأديان, بالحجج الواضحة, والآيات الباهرة والسلطان الناصر.
" وَاللَّهُ عَزِيزٌ " لا يغالبه مغالب, ولا يفوته هارب.
" حَكِيمٌ " يضع الأشياء مواضعها, وقد يؤخر نصر حزبه, إلى وقت آخر, اقتضته الحكمة الإلهية.
وفي هذه الآية الكريمة, فضيلة أبي بكر الصديق, بخصيصة لم تكن لغيره من هذه الأمة, وهي الفوز بهذه المنقبة الجليلة, والصحبة الجميلة.
وقد أجمع المسلمون, على أنه هو المراد بهذه الآية الكريمة.
ولهذا عدوا من أنكر صحبة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم, كافرا لأنه منكر للقرآن الذي صرح بها.
وفيها فضيلة السكينة, وأنها من تمام نعمة اللّه على العبد, في أوقات الشدائد والمخاوف, التي تطيش لها الأفئدة, وأنها تكون على حسب معرفة العبد بربه, وثقته بوعده الصادق, وبحسب إيمانه وشجاعته.
وفيها: أن الحزن قد يعرض لخواص عباده الصديقين, مع أن الأولى - إذا نزل بالعبد - أن يسعى في ذهابه عنه, فإنه مضعف للقلب, موهن للعزيمة.
فقد نصره في أقل ما يكون " إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا " من مكة, لما هموا بقتله, وسعوا في ذلك, وحرصوا أشد الحرص, فالجأوه إلى أن يخرج.
" ثَانِيَ اثْنَيْنِ " أي: هو وأبو بكر الصديق رضي اللّه عنه.
" إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ " أي: لما هربا من مكة, لجآ إلى غار ثور, في أسفل مكة, فمكثا فيه ليبرد عنهما الطلب.
فهما في تلك الحالة الحرجة الشديدة المشقة, حين انتشر الأعداء من كل جانب يطلبونهما ليقتلوهما فأنزل اللّه عليهما, من نصره, ما لا يخطر على البال.
" إِذْ يَقُولُ " النبي صلى الله عليه وسلم " لِصَاحِبِهِ " أبي بكر لما حزن واشتد قلقه.
" لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا " بعونه ونصره وتأييده.
" فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ " أي: الثبات والطمأنينة, والسكون المثبتة للفؤاد.
ولهذا لما قلق صاحبه سكنه و " قال لا تحزن إن اللّه معنا " .
" وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا " وهي الملائكة الكرام, الذين جعلهم اللّه حرسا له.
" وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى " أي: الساقطة المخذولة.
فإن الذين كفروا, كانوا على حرد قادرين, في ظنهم أنهم يقدرون على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم, وأخذه, حنقين عليه, فعملوا غاية مجهودهم في ذلك.
فخذلهم اللّه, ولم يتم لهم مقصودهم, بل ولا أدركوا شيئا منه.
ونصر اللّه رسوله, بدفعه عنه.
وهذا هو النصر المذكور في هذا الموضع.
فإن النصر على قسمين, نصر المسلمين إذا طمعوا في عدوهم, بأن يتم اللّه لهم ما طلبوا, وقصدوا, ويستولوا على عدوهم, ويظهروا عليهم.
والثاني نصر المستضعف, الذين طمع فيه عدوه القادر.
فنصر اللّه إياه, أن يرد عنه عدوه, ويدافع عنه, ولعل هذا النصر أنفع النصرين.
ونصر اللّه رسوله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين من هذا النوع.
وقوله " وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا " أي كلماته القدرية, وكلماته الدينية, هي العالية على كلمة غيره, التي من جملتها قوله: " وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ " , " إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ " , " وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ " .
فدين اللّه, هو الظاهر العالي, على سائر الأديان, بالحجج الواضحة, والآيات الباهرة والسلطان الناصر.
" وَاللَّهُ عَزِيزٌ " لا يغالبه مغالب, ولا يفوته هارب.
" حَكِيمٌ " يضع الأشياء مواضعها, وقد يؤخر نصر حزبه, إلى وقت آخر, اقتضته الحكمة الإلهية.
وفي هذه الآية الكريمة, فضيلة أبي بكر الصديق, بخصيصة لم تكن لغيره من هذه الأمة, وهي الفوز بهذه المنقبة الجليلة, والصحبة الجميلة.
وقد أجمع المسلمون, على أنه هو المراد بهذه الآية الكريمة.
ولهذا عدوا من أنكر صحبة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم, كافرا لأنه منكر للقرآن الذي صرح بها.
وفيها فضيلة السكينة, وأنها من تمام نعمة اللّه على العبد, في أوقات الشدائد والمخاوف, التي تطيش لها الأفئدة, وأنها تكون على حسب معرفة العبد بربه, وثقته بوعده الصادق, وبحسب إيمانه وشجاعته.
وفيها: أن الحزن قد يعرض لخواص عباده الصديقين, مع أن الأولى - إذا نزل بالعبد - أن يسعى في ذهابه عنه, فإنه مضعف للقلب, موهن للعزيمة.
انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ↓
يقول تعالى, لعباده المؤمنين - مهيجا لهم على النفير في سبيله:- " انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا " في العسر واليسر, والمنشط والمكره, والحر والبرد, وفي جميع الأحوال.
" وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " أي: ابذلوا جهدكم في ذلك, واستفرغوا وسعكم, في المال والنفس.
وفي هذا دليل, على أنه - كما يجب الجهاد في النفس - يجب في المال, حيث اقتضت الحاجة, ودعت لذلك.
ثم قال " ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " أي: الجهاد في النفس والمال, خير لكم من التقاعد عن ذلك, لأن فيه رضا اللّه تعالى, والفوز بالدرجات العاليات عنده, والنصر لدين اللّه, والدخول جملة جنده وحزبه.
" وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " أي: ابذلوا جهدكم في ذلك, واستفرغوا وسعكم, في المال والنفس.
وفي هذا دليل, على أنه - كما يجب الجهاد في النفس - يجب في المال, حيث اقتضت الحاجة, ودعت لذلك.
ثم قال " ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " أي: الجهاد في النفس والمال, خير لكم من التقاعد عن ذلك, لأن فيه رضا اللّه تعالى, والفوز بالدرجات العاليات عنده, والنصر لدين اللّه, والدخول جملة جنده وحزبه.
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ↓
" لَوْ كَانَ " خروجهم " عَرَضًا قَرِيبًا " أي: لطلب عرض قريب, ومنفعة دنيوية, سهلة التناول وكان السفر " وَسَفَرًا قَاصِدًا " أي: قريبا سهلا.
" لَاتَّبَعُوكَ " لعدم المشقة الكثيرة.
" وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ " أي: طالت عليهم المسافة, وصعب عليهم السفر, فلذلك تثاقلوا عنك.
وليس هذا من أمارات العبودية, بل العبد حقيقة, هو المتعبد لربه في كل حال, القائم بالعبادة السهلة والشاقة, فهذا العبد للّه على كل حال.
" وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ " أي: سيحلفون لتخلفهم عن الخروج - أن لهم عذرا, وأنهم لا يستطيعون ذلك.
" يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ " بالقعود والكذب, والإخبار بغير الواقع.
" وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ " .
وهذا العتاب, إنما هو للمنافقين, الذين تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم, في " غزوة تبوك " وأبدوا من الأعذار الكاذبة ما أبدوا.
فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بمجرد اعتذارهم, من غير أن يمتحنهم, فيتبين له الصادق من الكاذب, ولهذا عاتبه اللّه على هذه المسارعة إلى قبول اعتذارهم فقال: " عَفَا اللَّهُ عَنْكَ " إلى قوله " فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ "
" لَاتَّبَعُوكَ " لعدم المشقة الكثيرة.
" وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ " أي: طالت عليهم المسافة, وصعب عليهم السفر, فلذلك تثاقلوا عنك.
وليس هذا من أمارات العبودية, بل العبد حقيقة, هو المتعبد لربه في كل حال, القائم بالعبادة السهلة والشاقة, فهذا العبد للّه على كل حال.
" وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ " أي: سيحلفون لتخلفهم عن الخروج - أن لهم عذرا, وأنهم لا يستطيعون ذلك.
" يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ " بالقعود والكذب, والإخبار بغير الواقع.
" وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ " .
وهذا العتاب, إنما هو للمنافقين, الذين تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم, في " غزوة تبوك " وأبدوا من الأعذار الكاذبة ما أبدوا.
فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بمجرد اعتذارهم, من غير أن يمتحنهم, فيتبين له الصادق من الكاذب, ولهذا عاتبه اللّه على هذه المسارعة إلى قبول اعتذارهم فقال: " عَفَا اللَّهُ عَنْكَ " إلى قوله " فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ "
عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ↓
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم " عَفَا اللَّهُ عَنْكَ " أي: سامحك, وغفر لك ما أجريت.
" لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ " في التخلف " حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ " .
بأن تمحنهم, ليتبين لك الصادق من الكاذب, فتعذر من يستحق العذر, ممن لا يستحق ذلك.
" لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ " في التخلف " حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ " .
بأن تمحنهم, ليتبين لك الصادق من الكاذب, فتعذر من يستحق العذر, ممن لا يستحق ذلك.
لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ↓
ثم أخبر, أن المؤمنين باللّه واليوم الآخر, لا يستأذنون في ترك الجهاد, بأموالهم وأنفسهم, لأن ما معهم من الرغبة في الخير والإيمان, يحملهم على الجهاد, من غير أن يحثهم عليه حاث, فضلا عن كونهم يستأذنون في تركه من غير عذر.
" وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ " فيجازيهم على ما قاموا به من تقواه.
ومن علمه بالمتقين, أنه أخبر, أن من علاماتهم, أنهم لا يستأذنون في ترك الجهاد.
" وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ " فيجازيهم على ما قاموا به من تقواه.
ومن علمه بالمتقين, أنه أخبر, أن من علاماتهم, أنهم لا يستأذنون في ترك الجهاد.
إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ↓
" إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ " أي: ليس لهم إيمان تام, ولا يقين صادق, فلذلك قلَّتْ رغبتهم في الخير, وجبنوا عن القتال, واحتاجوا أن يستأذنوا في ترك القتال.
" فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ " أي: لا يزالون في الشك والحيرة.
" فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ " أي: لا يزالون في الشك والحيرة.
وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ↓
يقول تعالى: مبينا أن المتخلفين من المنافقين, قد ظهر منهم من القرائن, ما يبين أنهم ما قصدوا الخروج بالكلية, وأن أعذارهم التي اعتذروها, باطلة, فإن العذر, هو المانع الذي يمنع, إذا بذل العبد وسعه, وسعى في أسباب الخروج, ثم منعه مانع شرعي, فهذا الذي يعذر.
لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ↓
وأما هؤلاء المنافقون " وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً " أي: لاستعدوا وعملوا ما يمكنهم من الأسباب.
ولكن لما لم يعدوا له عدة, علم أنهم ما أرادوا الخروج.
" وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ " معكم في الخروج للغزو " فَثَبَّطَهُمْ " قدرا وقضاء, وإن كان قد أمرهم, وحثهم على الخروج, وجعلهم مقتدرين عليه.
ولكن بحكمته ما أراد إعانتهم, بل خذلهم وثبطهم " وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ " من النساء والمعذورين.
ولكن لما لم يعدوا له عدة, علم أنهم ما أرادوا الخروج.
" وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ " معكم في الخروج للغزو " فَثَبَّطَهُمْ " قدرا وقضاء, وإن كان قد أمرهم, وحثهم على الخروج, وجعلهم مقتدرين عليه.
ولكن بحكمته ما أراد إعانتهم, بل خذلهم وثبطهم " وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ " من النساء والمعذورين.
لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ↓
ثم ذكر الحكمة في ذلك فقال " لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا " أي: نقصا.
" وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ " أي: ولسعوا في الفتنة والشر بينكم, وفرقوا جماعتكم المجتمعين.
" يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ " أي: هم حريصون على فتنتكم, وإلقاء العداوة بينكم.
" وَفِيكُمْ " أناس ضعفاء العقول " سَمَّاعُونَ لَهُمْ " أي: مستجيبون لدعوتهم, يغترون بهم.
فإذا كانوا حريصين على خذلانكم, وإلقاء الشر بينكم, وتثبيطكم عن أعدائكم, وفيكم من يقبل منهم, ويستنصحهم.
فما ظنك بالشر الحاصل من خروجهم مع المؤمنين, والنقص الكثير منهم؟.
فللّه ما أتم الحكمة حيث ثبطهم, ومنعهم من الخروج مع عباده المؤمنين رحمة بهم, ولطفا من أن يداخلهم, ما لا ينفعهم, بل يضرهم.
" وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ " فيعلم عباده كيف يحذرونهم, ويبين لهم من المفاسد الناشئة من مخالطتهم.
ثم ذكر أنه قد سبق لهم سوابق في الشر فقال: " لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ " أي: حين هاجرتم إلى المدينة, فبذلوا الجهد.
" وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ " : أي: أداروا الأفكار, وأعملوا الحيل, في إبطال دعوتكم, وخذلان دينكم, ولم يقصروا في ذلك.
" حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ " فبطل كيدهم واضمحل باطلهم.
فحقيق بمثل هؤلاء, أن يحذر اللّه عباده المؤمنين منهم, وأن لا يبالي المؤمنين,, بتخلفهم عنهم.
" وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ " أي: ولسعوا في الفتنة والشر بينكم, وفرقوا جماعتكم المجتمعين.
" يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ " أي: هم حريصون على فتنتكم, وإلقاء العداوة بينكم.
" وَفِيكُمْ " أناس ضعفاء العقول " سَمَّاعُونَ لَهُمْ " أي: مستجيبون لدعوتهم, يغترون بهم.
فإذا كانوا حريصين على خذلانكم, وإلقاء الشر بينكم, وتثبيطكم عن أعدائكم, وفيكم من يقبل منهم, ويستنصحهم.
فما ظنك بالشر الحاصل من خروجهم مع المؤمنين, والنقص الكثير منهم؟.
فللّه ما أتم الحكمة حيث ثبطهم, ومنعهم من الخروج مع عباده المؤمنين رحمة بهم, ولطفا من أن يداخلهم, ما لا ينفعهم, بل يضرهم.
" وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ " فيعلم عباده كيف يحذرونهم, ويبين لهم من المفاسد الناشئة من مخالطتهم.
ثم ذكر أنه قد سبق لهم سوابق في الشر فقال: " لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ " أي: حين هاجرتم إلى المدينة, فبذلوا الجهد.
" وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ " : أي: أداروا الأفكار, وأعملوا الحيل, في إبطال دعوتكم, وخذلان دينكم, ولم يقصروا في ذلك.
" حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ " فبطل كيدهم واضمحل باطلهم.
فحقيق بمثل هؤلاء, أن يحذر اللّه عباده المؤمنين منهم, وأن لا يبالي المؤمنين,, بتخلفهم عنهم.
وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ↓
أي: ومن هؤلاء المنافقين, من يستأذن في التخلف, ويعتذر بعذر آخر عجيب.
فيقول: " ائْذَنْ لِي " في التخلف " وَلَا تَفْتِنِّي " في الخروج.
فإني إذا خرجت, فرأيت نساء بين الأصفر, لا أصبر عنهن, كما قال ذلك " الجد بن قيس " .
ومقصوده في قلبه - قبحه اللّه - الرياء والنفاق ويعبر بلسانه بأن مقصودي مقصود حسن, فإن في خروجي فتنة وتعرضا للشر, وفي عدم خروجي, عافية, وكفا عن الشر.
قال اللّه تعالى - مبينا كذب هذا القول - " أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا " .
فإنه على تقدير صدق هذا القائل في قصده, فإن في التخلف مفسدة كبرى, وفتنة عظمى, محققة, وهي: معصية اللّه, ومعصية رسوله, والتجرى على الإثم الكبير, والوزر العظيم.
وأما الخروج, فمفسدة قليلة بالنسبة للتخلف, وهي متوهمة.
مع أن هذا القائل قصده التخلف لا غير, ولهذا توعدهم اللّه بقوله: " وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ " ليس لهم عنها مفر ولا مناص, ولا فكاك, ولا خلاص.
فيقول: " ائْذَنْ لِي " في التخلف " وَلَا تَفْتِنِّي " في الخروج.
فإني إذا خرجت, فرأيت نساء بين الأصفر, لا أصبر عنهن, كما قال ذلك " الجد بن قيس " .
ومقصوده في قلبه - قبحه اللّه - الرياء والنفاق ويعبر بلسانه بأن مقصودي مقصود حسن, فإن في خروجي فتنة وتعرضا للشر, وفي عدم خروجي, عافية, وكفا عن الشر.
قال اللّه تعالى - مبينا كذب هذا القول - " أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا " .
فإنه على تقدير صدق هذا القائل في قصده, فإن في التخلف مفسدة كبرى, وفتنة عظمى, محققة, وهي: معصية اللّه, ومعصية رسوله, والتجرى على الإثم الكبير, والوزر العظيم.
وأما الخروج, فمفسدة قليلة بالنسبة للتخلف, وهي متوهمة.
مع أن هذا القائل قصده التخلف لا غير, ولهذا توعدهم اللّه بقوله: " وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ " ليس لهم عنها مفر ولا مناص, ولا فكاك, ولا خلاص.
إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ ↓
يقول تعالى - مبينا أن المنافقين, هم الأعداء حقا, المبغضون للدين صرفا.
" إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ " كنصر وإدالة على العدو " تَسُؤْهُمْ " أي: تحزنهم وتغمهم.
" وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ " كإدالة العدو عليك " يَقُولُوا " متبجحين بسلامتهم من الحضور معك.
" قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ " أي: قد حذرنا وعملنا, بما ينجينا من الوقوع في مثل هذه المصيبة.
" وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ " بمصيبتك, وبعدم مشاركتهم إياك فيها.
" إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ " كنصر وإدالة على العدو " تَسُؤْهُمْ " أي: تحزنهم وتغمهم.
" وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ " كإدالة العدو عليك " يَقُولُوا " متبجحين بسلامتهم من الحضور معك.
" قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ " أي: قد حذرنا وعملنا, بما ينجينا من الوقوع في مثل هذه المصيبة.
" وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ " بمصيبتك, وبعدم مشاركتهم إياك فيها.
قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ↓
قال تعالى - رادا عليهم في ذلك - " قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا " أي: ما قدره وأجراه في اللوح المحفوظ.
" هُوَ مَوْلَانَا " أي: متولي أمورنا الدينية والدنيوية, فعلينا الرضا بأقداره, وليس في أيدينا من الأمر شيء.
" وَعَلَى اللَّهِ " وحده " فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " أي: ليعتمدوا عليه, في جلب مصالحهم, ودفع المضار عنهم, وليثقوا به في تحصيل مطلوبهم, فلا خاب من توكل عليه.
وأما من توكل على غيره, فإنه مخذول, غير مدرك لما أمل.
" هُوَ مَوْلَانَا " أي: متولي أمورنا الدينية والدنيوية, فعلينا الرضا بأقداره, وليس في أيدينا من الأمر شيء.
" وَعَلَى اللَّهِ " وحده " فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " أي: ليعتمدوا عليه, في جلب مصالحهم, ودفع المضار عنهم, وليثقوا به في تحصيل مطلوبهم, فلا خاب من توكل عليه.
وأما من توكل على غيره, فإنه مخذول, غير مدرك لما أمل.
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ ↓
أي: قل للمنافقين, الذين يتربصون بكم الدوائر: أي شيء تربصون بنا؟ فإنكم لا تربصون بنا, إلا أمرا, فيه غاية نفعنا, وهو إحدى الحسنيين.
إما الظفر بالأعداء, والنصر عليهم, ونيل الثواب الأخروي والدنيوي.
وإما الشهادة التي هي من أعلى درجات الخلق, وأرفع المنازل عند اللّه.
وأما تربصنا بكم - يا معشر المنافقين - فنحن نتربص بكم, أن يصيبكم اللّه بعذاب من عنده, لا سبب لنا فيه, أو بأيدينا, بأن يسلطنا عليكم فنقتلكم.
" فَتَرَبَّصُوا " بنا الخير " إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ " بكم الشر.
إما الظفر بالأعداء, والنصر عليهم, ونيل الثواب الأخروي والدنيوي.
وإما الشهادة التي هي من أعلى درجات الخلق, وأرفع المنازل عند اللّه.
وأما تربصنا بكم - يا معشر المنافقين - فنحن نتربص بكم, أن يصيبكم اللّه بعذاب من عنده, لا سبب لنا فيه, أو بأيدينا, بأن يسلطنا عليكم فنقتلكم.
" فَتَرَبَّصُوا " بنا الخير " إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ " بكم الشر.
قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ ↓
يقول تعالى - مبينا بطلان نفقات المنافقين, وذاكرا السبب في ذلك - " قُلْ " لهم " أَنْفِقُوا طَوْعًا " من أنفسكم " أَوْ كَرْهًا " على ذلك, بغير اختياركم.
" لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ " شيء من أعمالكم " إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ " خارجين عن طاعة اللّه.
" لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ " شيء من أعمالكم " إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ " خارجين عن طاعة اللّه.
وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ ↑
ثم بين صفة فسقهم وأعمالهم بقوله: " وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ " والأعمال كلها, شرط قبولها, الإيمان, فهؤلاء, لا إيمان لهم, ولا عمل صالح.
حتى إن الصلاة, التي هي أفضل أعمال البدن, إذا قاموا إليها, قاموا كسالى, وقد بين اللّه ذلك فقال: " وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى " أي: متثاقلون, لا يكادون يفعلونها, من ثقلها عليهم.
" وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ " من غير انشراح صدر, وثبات نفس.
ففي هذا, غاية الذم, لمن فعل مثل فعلهم.
وأنه ينبغي للعبد, أن لا يأتي الصلاة, إلا وهو نشيط البدن, والقلب إليها.
ولا ينفق, إلا وهو منشرح الصدر, ثابت القلب, يرجو ذخرها وثوابها من اللّه وحده, ولا يتشبه بالمنافقين.
حتى إن الصلاة, التي هي أفضل أعمال البدن, إذا قاموا إليها, قاموا كسالى, وقد بين اللّه ذلك فقال: " وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى " أي: متثاقلون, لا يكادون يفعلونها, من ثقلها عليهم.
" وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ " من غير انشراح صدر, وثبات نفس.
ففي هذا, غاية الذم, لمن فعل مثل فعلهم.
وأنه ينبغي للعبد, أن لا يأتي الصلاة, إلا وهو نشيط البدن, والقلب إليها.
ولا ينفق, إلا وهو منشرح الصدر, ثابت القلب, يرجو ذخرها وثوابها من اللّه وحده, ولا يتشبه بالمنافقين.
فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ↓
يقول تعالى: فلا تعجبك أموال هؤلاء المنافقين ولا أولادهم, فإنه لا غبطة فيها.
وأول بركاتها عليهم, أن قدموها على مراضى ربهم, وعصوا اللّه لأجلها " إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " .
والمراد بالعذاب هنا, ما ينالهم من المشقة في تحصيلها, والسعي الشديد في ذلك, وهم القلب فيها, وتعب البدن.
فلو قابلت لذاتهم فيها بمشقاتهم, لم يكن لها نسبة إليها, فهي - لما ألهتهم عن اللّه وذكره - صارت وبالا عليهم, حتى في الدنيا.
ومن وبالها العظيم الخطر, أن قلوبهم تتعلق بها, وإرادتهم لا تتعداها فتكون منتهى مطلوبهم, وغاية مرغوبهم ولا يبقى في قلوبهم للآخرة نصيب, فيوجب ذلك, أن ينتقلوا من الدنيا " وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ " .
فأي: عقوبة أعظم من هذه العقوبة, الموجبة للشقاء الدائم, والحسرة الملازمة.
وأول بركاتها عليهم, أن قدموها على مراضى ربهم, وعصوا اللّه لأجلها " إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " .
والمراد بالعذاب هنا, ما ينالهم من المشقة في تحصيلها, والسعي الشديد في ذلك, وهم القلب فيها, وتعب البدن.
فلو قابلت لذاتهم فيها بمشقاتهم, لم يكن لها نسبة إليها, فهي - لما ألهتهم عن اللّه وذكره - صارت وبالا عليهم, حتى في الدنيا.
ومن وبالها العظيم الخطر, أن قلوبهم تتعلق بها, وإرادتهم لا تتعداها فتكون منتهى مطلوبهم, وغاية مرغوبهم ولا يبقى في قلوبهم للآخرة نصيب, فيوجب ذلك, أن ينتقلوا من الدنيا " وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ " .
فأي: عقوبة أعظم من هذه العقوبة, الموجبة للشقاء الدائم, والحسرة الملازمة.
" وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ " قصدهم في حلفهم هذا أنهم " قَوْمٌ يَفْرَقُونَ " أي: يخافون الدوائر, وليس في قلوبهم شجاعة تحملهم على أن يبينوا أحوالهم.
فيخافون إن أظهروا حالهم منكم, ويخافون أن تتبرأوا منهم, فيتخطفهم الناس من كل جانب.
وأما حال قوي القلب, ثابت الجنان, فإنه يحمله ذلك, على بيان حاله, حسنة كانت أو سيئة.
ولكن المنافقين خلع عليهم خلعة الجبن, وحلوا بحلية الكذب.
فيخافون إن أظهروا حالهم منكم, ويخافون أن تتبرأوا منهم, فيتخطفهم الناس من كل جانب.
وأما حال قوي القلب, ثابت الجنان, فإنه يحمله ذلك, على بيان حاله, حسنة كانت أو سيئة.
ولكن المنافقين خلع عليهم خلعة الجبن, وحلوا بحلية الكذب.
ثم ذكر شدة جبنهم فقال: " لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً " يلجأون إليه عندما تنزل بهم الشدائد.
" أَوْ مَغَارَاتٍ " يدخلونها, فيستقرون فيها " أَوْ مُدَّخَلًا " أي: محلا يدخلونه فيتحصنون فيه " لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ " أي: يسرعون ويهرعون.
فليس لهم ملكة, يقتدرون بها على الثبات.
" أَوْ مَغَارَاتٍ " يدخلونها, فيستقرون فيها " أَوْ مُدَّخَلًا " أي: محلا يدخلونه فيتحصنون فيه " لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ " أي: يسرعون ويهرعون.
فليس لهم ملكة, يقتدرون بها على الثبات.
وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ↓
أي: ومن هؤلاء المنافقين, من يعيبك في قسمة الصدقات, وينتقد عليك فيها.
وليس انتقادهم فيها وعيبهم, لقصد صحيح, ولا لرأي رجيح, وإنما مقصودهم أن يعطوا منها.
" فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ " وهذه حالة, لا ينبغي للعبد أن يكون رضاه وغضبه, تابعا لهوى نفسه الدنيوي, وغرضه الفاسد.
بل الذي ينبغي, أن يكون لمرضاة ربه, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم, " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " .
وليس انتقادهم فيها وعيبهم, لقصد صحيح, ولا لرأي رجيح, وإنما مقصودهم أن يعطوا منها.
" فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ " وهذه حالة, لا ينبغي للعبد أن يكون رضاه وغضبه, تابعا لهوى نفسه الدنيوي, وغرضه الفاسد.
بل الذي ينبغي, أن يكون لمرضاة ربه, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم, " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " .
وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُواْ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ↓
وقال هنا: " وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ " أي: أعطاهم من قليل وكثير.
" وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ " أي: كافينا اللّه, فنرضى بما قسمه لنا.
وليؤملوا فضله وإحسانه إليهم بأن يقولوا: " سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ " أي: متضرعون في جلب منافعنا, ودفع مضارنا.
ثم بين تعالى كيفية قسمة الصدقات الواجبة فقال: " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ " إلى " عَلِيمٌ حَكِيمٌ " .
" وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ " أي: كافينا اللّه, فنرضى بما قسمه لنا.
وليؤملوا فضله وإحسانه إليهم بأن يقولوا: " سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ " أي: متضرعون في جلب منافعنا, ودفع مضارنا.
ثم بين تعالى كيفية قسمة الصدقات الواجبة فقال: " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ " إلى " عَلِيمٌ حَكِيمٌ " .
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ↓
يقول تعالى: " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ " أي: الزكوات الواجبة, بدليل أن الصدقة المستحبة لكل أحد, لا يخص بها أحد دون أحد.
إنما الصدقات - لهؤلاء المذكورين, دون من عداهم, لأنه حصرها فيهم, وهم ثمانية أصناف.
الأول والثاني الفقراء, والمساكين, وهم في هذا الموضع, صنفان متفاوتان.
فالفقير, أشد حاجة من المسكين, لأن اللّه بدأ بهم, ولا يبدأ إلا بالأهم فالأهم, ففسر الفقير, بأنه الذي لا يجد شيئا, أو يجد بعض كفايته دون نصفها.
والمسكين: هو الذي يجد نصفها فأكثر, ولا يجد تمام كفايته, لأنه لو وجدها لكان غنيا, فيعطون من الزكاة, ما يزول به فقرهم ومسكنتهم.
والثالث: العاملون على الزكاة, وهم: كل من له عمل وشغل فيها, من حافظ لها, وجاب لها من أهلها, أو راع, أو حامل لها, أو كاتب, أو نحو ذلك.
فيعطون لأجل عمالتهم, وهي أجرة لأعمالهم فيها.
والرابع: المؤلفة قلوبهم.
والمؤلفة قلبه هو: السيد المطاع في قومه, ممن يرجى إسلامه, أو يخشى شره أو يرجى بعطيته, قوة إيمانه, أو إسلام نظيره, أو جبايتها ممن لا يعطيها.
فيعطى, ما يحصل به التأليف والمصلحة.
الخامس: الرقاب, وهم المكاتبون الذين قد اشتروا أنفسهم من ساداتهم.
فهم يسعون في تحصيل ما يفك رقابهم, فيعانون على ذلك من الزكاة.
وفك الرقبة المسلمة التي في حبس الكفار, داخل في هذا, بل أولى.
ويدخل في هذا, أنه يجوز أن يعتق الرقاب استقلالا, لدخوله في قوله " وفي الرقاب " .
السادس, الغارمون, وهم قسمان: أحدهما: الغارمون لإصلاح ذات البين, وهو أن يكون بين طائفتين من الناس, شر وفتنة, فيتوسط الرجل للإصلاح بينهم, بما يبذله لأحدهم أو لهم كلهم.
فجعل له نصيب من الزكاة, ليكون أنشط له, وأقوى لعزمه, فيعطى, ولو كان غنيا.
والثاني: من غرم لنفسه, ثم أعسر, فإنه يعطى ما يُوَفِّى به دينه.
والسابع: الغازي في سبيل اللّه, وهم: الغزاة المتطوعة, الذين لا ديوان لهم.
فيعطون من الزكاة, ما يعينهم على غزوهم, من ثمن سلاح, أو دابة, أو نفقة له ولعياله, ليتوفر على الجهاد, ويطمئن قلبه.
وقال كثير من الفقهاء: إن تفرغ القادر على الكسب لطلب العلم, أعطى من الزكاة, لأن العلم داخل في الجهاد في سبيل اللّه.
وقالوا أيضا: يجوز أن يعطى منها الفقير, لحج فرضه, وفيه نظر.
والثامن: ابن السبيل, وهو: الغريب المنقطع به في غير بلده.
فيعطى من الزكاة, ما يوصله إلى بلده.
فهؤلاء الأصناف الثمانية, الذين تدفع إليهم الزكاة وحدهم.
" فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ " فرضها وقدرها, تابعة لعلمه وحكمه " وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " .
واعلم أن هذه الأصناف الثمانية, ترجع إلى أمرين.
أحدهما: من يعطى لحاجته ونفعه, كالفقير, والمسكين, ونحوهما.
والثاني: من يعطى للحاجة إليه, وانتفاع الإسلام به.
فأوجب اللّه هذه الحصة, في أموال الأغنياء, لسد الحاجات الخاصة والعامة, للإسلام والمسلمين.
فلو أعطى الأغنياء زكاة أموالهم, على الوجه الشرعي, لم يبق فقير من المسلمين.
ولحصل من الأموال, ما يسد الثغور, ويجاهد به الكفار, وتحصل به جميع المصالح الدينية.
إنما الصدقات - لهؤلاء المذكورين, دون من عداهم, لأنه حصرها فيهم, وهم ثمانية أصناف.
الأول والثاني الفقراء, والمساكين, وهم في هذا الموضع, صنفان متفاوتان.
فالفقير, أشد حاجة من المسكين, لأن اللّه بدأ بهم, ولا يبدأ إلا بالأهم فالأهم, ففسر الفقير, بأنه الذي لا يجد شيئا, أو يجد بعض كفايته دون نصفها.
والمسكين: هو الذي يجد نصفها فأكثر, ولا يجد تمام كفايته, لأنه لو وجدها لكان غنيا, فيعطون من الزكاة, ما يزول به فقرهم ومسكنتهم.
والثالث: العاملون على الزكاة, وهم: كل من له عمل وشغل فيها, من حافظ لها, وجاب لها من أهلها, أو راع, أو حامل لها, أو كاتب, أو نحو ذلك.
فيعطون لأجل عمالتهم, وهي أجرة لأعمالهم فيها.
والرابع: المؤلفة قلوبهم.
والمؤلفة قلبه هو: السيد المطاع في قومه, ممن يرجى إسلامه, أو يخشى شره أو يرجى بعطيته, قوة إيمانه, أو إسلام نظيره, أو جبايتها ممن لا يعطيها.
فيعطى, ما يحصل به التأليف والمصلحة.
الخامس: الرقاب, وهم المكاتبون الذين قد اشتروا أنفسهم من ساداتهم.
فهم يسعون في تحصيل ما يفك رقابهم, فيعانون على ذلك من الزكاة.
وفك الرقبة المسلمة التي في حبس الكفار, داخل في هذا, بل أولى.
ويدخل في هذا, أنه يجوز أن يعتق الرقاب استقلالا, لدخوله في قوله " وفي الرقاب " .
السادس, الغارمون, وهم قسمان: أحدهما: الغارمون لإصلاح ذات البين, وهو أن يكون بين طائفتين من الناس, شر وفتنة, فيتوسط الرجل للإصلاح بينهم, بما يبذله لأحدهم أو لهم كلهم.
فجعل له نصيب من الزكاة, ليكون أنشط له, وأقوى لعزمه, فيعطى, ولو كان غنيا.
والثاني: من غرم لنفسه, ثم أعسر, فإنه يعطى ما يُوَفِّى به دينه.
والسابع: الغازي في سبيل اللّه, وهم: الغزاة المتطوعة, الذين لا ديوان لهم.
فيعطون من الزكاة, ما يعينهم على غزوهم, من ثمن سلاح, أو دابة, أو نفقة له ولعياله, ليتوفر على الجهاد, ويطمئن قلبه.
وقال كثير من الفقهاء: إن تفرغ القادر على الكسب لطلب العلم, أعطى من الزكاة, لأن العلم داخل في الجهاد في سبيل اللّه.
وقالوا أيضا: يجوز أن يعطى منها الفقير, لحج فرضه, وفيه نظر.
والثامن: ابن السبيل, وهو: الغريب المنقطع به في غير بلده.
فيعطى من الزكاة, ما يوصله إلى بلده.
فهؤلاء الأصناف الثمانية, الذين تدفع إليهم الزكاة وحدهم.
" فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ " فرضها وقدرها, تابعة لعلمه وحكمه " وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " .
واعلم أن هذه الأصناف الثمانية, ترجع إلى أمرين.
أحدهما: من يعطى لحاجته ونفعه, كالفقير, والمسكين, ونحوهما.
والثاني: من يعطى للحاجة إليه, وانتفاع الإسلام به.
فأوجب اللّه هذه الحصة, في أموال الأغنياء, لسد الحاجات الخاصة والعامة, للإسلام والمسلمين.
فلو أعطى الأغنياء زكاة أموالهم, على الوجه الشرعي, لم يبق فقير من المسلمين.
ولحصل من الأموال, ما يسد الثغور, ويجاهد به الكفار, وتحصل به جميع المصالح الدينية.