فلزمنا جميعا وعيد ربنا, إنا لذائقو العذاب, نحن وأنتم, بما قدمنا من ذنوبنا ومعاصينا في الدنيا.
فأضللناكم عن سبيل الله والإيمان به, إنا كنا ضالين من قبلكم, فهلكنا; بسبب كفرنا, وأهلكناكم معنا.
فإن الأتباع والمتبوعين مشتركون يوم القيامة في العذاب, كما اشتركوا في الدنيا في معصية الله.
إنا هكذا نفعل بالذين اختاروا معاصي الله في الدنيا على طاعته, فنذيقهم العذاب الأليم.
إن أولئك المشركين كانوا في الدنيا إذا قيل لهم: لا إله إلا الله, ودعوا إليها, وأمروا بترك ما ينافيها, يستكبرون عنها وعلى من جاء بها.
ويقولون: أنترك عبادة آلهتنا لقول رجل شاعر مجنون؟ يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كذبوا, ما محمد كما وصفوه به, بل جاء بالقرآن والتوحيد, وصدق المرسلين فيما أخبروا به عنه من شرع الله وتوحيده.
إنكم -أيها المشركون- بقولكم وكفركم وتكذيبكم لذائقو العذاب الأليم الموجع.
وما تجزون في الآخرة إلا بما كنتم تعملونه في الدنيا من المعاصي.
إلا عباد الله تعالى الذين أخلصوا له في عبادته, فأخلصهم واختصهم برحمته; فإنهم ناجون من العذاب الأليم.
أولئك المخلصون لهم في الجنة رزق معلرم لا ينفطع.
ذلك الرزق فواكه متنوعة, وهم مكرمون بكرامة الله لهم
في جنات النعيم الدائم.
ومن كرامتهم عند ربهم وإكرام بعضهم بعضا أنهم على سرر متقابلين فيما بينهم.
يدار عليهم في مجالسهم بكؤوس خمر من أنهار جارية, لا يخافون انقطاعها,
بيضاء في لونها, لذيذة في شربها,
ليس فيها أذى للجسم ولا للعقل.
وعندهم في مجالسهم نساء عفيفات, لا ينظرن إلى غير أزواجهن حسان الأعين,
كأنهن بيض مصون لم تمسه الأيدي.
فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون عن أحوالهم في الدنيا وما كانوا يعانون فيها, وما أنعم الله به عليهم في الجنة, وهذا من تمام الأنس.
قال قائل من أهل الجنة: لقد كان لي في الدنيا صاحب ملازم لي.
يقول: كيف تصدق بالبعث الذي هو في غاية الاستغراب؟
إذا متنا وتمزقنا وصرنا ترابا وعظاما, نبعث ونحاسب ونجازي بأعمالنا؟
قال هذا المؤمن الذي أدخل الجنة لأصحابه: هل أنتم مطلعون لنرى مصير ذلك القرين؟
فاطلع فرأى قرينه في وسط النار.
قال المؤمن لقرينه المنكر للبعث: لقد قاربت أن تهلكني بصدك إياي عن الإيمان لو أطعتك.
ولولا فضل ربي بهدايتي إلى الإيمان وتثبيتي عليه, لكنت من المحضرين في العذاب معك.
أحقا أننا مخلدون منعمون, فما نحن بميتين
إلا موتتنا الأولى في الدنيا, وما نحن بمعذبين بعد دخولنا الجنة؟
إن ما نحن فيه من نعيم لهو الظفر العظيم.